قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرمي.
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن المبارك حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني أبو سلام عن خالد بن زيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الله عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها) أو قال: (كفرها)].
أورد أبو داود باباً في الرمي، والرمي هو إرسال السهام والنبل على الأعداء، والمقصود من ذلك أن يتعلمه الإنسان ويجيده حتى يتمكن من إنفاذ السهام في الأعداء، وإجادة الإنسان الرمي بكونه يوصل السهم إلى الهدف الذي يريده والجهة التي يريد أن يوصل السهم إليها، وإنما يكون ذلك بتعلم الرمي وبالتعود عليه واعتياده.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه في ذلك.
قوله: (يدخل في السهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب الأجر عند الله عز وجل) كون الإنسان يصنع السهام من أجل أن يستعملها المسلمون وينتصروا على أعدائهم هو مأجور على نيته، وكذلك الرامي الذي يحصل منه إرسال السهم إلى الأعداء، وكذلك المنُبل وهو الذي يكون معه يساعده، بمعنى أنه يمد له النبل إذا رمى، أو يأخذ الذي يقع من السهام حتى يعاد مرة أخرى، فهو الذي يساعد الرامي.
قوله: (وارموا وأركبوا).
فيه فضيلة استعمال الرمي واستعمال الركوب، وكل منهما مطلوب في الغزو والجهاد في سبيل الله، كما قال البوصيري في البردة يصف الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم: كأنهم في ظهور الخيل نبت ربا من شدة الحزم لا من شدة الحزم أي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتون على الخيل كثبوت الأشجار على الربا، وذلك من شدة القوة والنشاط لا من شدة الحزم، والشاعر يقول: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب والسابح الفرس الذي يجري ويمضي بسرعة ويكون صاحبه على ظهره متمكناً، فالركوب فيه قوة للإنسان وتعويد على الكر والفر.
قوله: (وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا)؛ لأن الرمي أنكى في العدو من الركوب.
قوله: (ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله).
أي: ليس من اللهو مأذون فيه أو مستحب أو سائغ إلا ثلاثة وهي المذكورة في الحديث.
قوله: (تأديب الرجل فرسه).
هو أن يروضه على الكر والفر والإقدام على ما يريد الإقدام عليه.
قوله: (وملاعبته أهله).
كذلك أيضاً هذا من اللهو المباح.
قوله: (ورميه بقوسه ونبله).
لأنه يستعد ويتهيأ ويمرن نفسه على الرمي استعداداً للجهاد في سبيل الله.
قوله: (ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها).
يعني أنه ظفر بخير كثير ثم أضاعه على نفسه، (أو هي نعمة كفرها) أي: أضاع هذه النعمة ولم يحافظ عليها، فيكون قد ضيع على نفسه خيراً كثيراً وضيع على نفسه شيئاً عظيماً.