قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرخصة في القعود من العذر: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: (كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة، فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فخذي، فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم سري عنه وقال: اكتب، فكتبت في كتف: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) إلى آخر الآية، فقام ابن أم مكتوم -وكان رجلاً أعمى- لما سمع فضيلة المجاهدين فقال: يا رسول الله! فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ فلما قضى كلامه غشيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى، ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اقرأ يا زيد فقرأت: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95] فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) [النساء:95] الآية كلها، قال زيد: فأنزلها الله وحدها فألحقتها، والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف)].
أورد أبو داود [باب الرخصة في القعود من العذر].
أي: الرخصة في القعود عن الجهاد للعذر، وذلك في حق من يكون معذوراً، إما لكونه أعمى أو لكونه أعرج أو لكونه مريضاً، أو لكونه لا يستطيع السفر لأنه ليس عنده ظهر يركبه، كما جاء في حق الصحابة الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [التوبة:92].
وأورد أبو داود حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت عليه السكينة، وذكر ما يحصل له عند الوحي عليه، وأنه تصيبه شدة، وأنه كان بجنبه وكانت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذ زيد بن ثابت رضي الله عنه فثقلت عليه، وقد كان هذا شأنه صلى الله عليه وسلم عندما يوحي إليه؛ تصيبه شدة حتى يتصبب عرقاً في اليوم الشاتي الشديد البرودة لشدة ما يحصل له صلى الله عليه وسلم.
فلما سري عنه ذهب عنه وزال الذي حصل له عند نزول الوحي عليه فقال: [(اكتب يا زيد)] فكتب في كتف بعير، وهذا يدل على أن كتابة القرآن في الأشياء الطاهرة سائغ، فكتب زيد بن ثابت رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، وليس فيها: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:95]، ثم إن عبد الله بن أم مكتوم وكان أعمى قال: يا رسول الله! ما بال الذي لا يستطيع؟ فنزلت عليه السكينة مرة أخرى وحصل له ما حصل من الثقل، وكادت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترض فخذ زيد بن ثابت لشدة الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمره أن يقرأ ما كتب، وأن يضيف: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:95] فكتبها عند صدع في الكتف قال: [فوالذي نفسي بيده كأني أنظر إليها عند ذلك الصدع] يعني الكسر، فكان يتذكر أن مكانها في الكتف عند ذلك الصدع، وهذا فيه ضبطه وتذكره للشيء وكأنه ينظر إليه.