قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ركوب البحر في الغزو.
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن زكريا عن مطرف عن بشر أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله، فإن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً)].
أورد أبو داود باباً في ركوب البحر في الغزو.
يعني كون الإنسان يركب البحر غازياً في سبيل الله.
وقد أورد حديثاً في ذلك، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب البحر لغير حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله، ثم علل ذلك فقال: [(فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً)].
والحديث غير صحيح، لأن فيه من هو ضعيف، وفيه أيضاً اضطراب؛ لأنه جاء على عدة أوجه، مما يفيد أنه مضطرب.
ولكن الغزو في سبيل الله عز وجل في البحر جاء فيه أحاديث غير هذا الحديث، ومن ذلك حديث أم حرام أنه قال عندها واستيقظ وهو يضحك، فقالت: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: (رأيت قوماً من أمتي يركبون البحر غزاة في سبيل الله كالملوك على الأسرة، قالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم) فهذا فيه إخبار عن ركوب البحر للجهاد في سبيل الله، ومدح هؤلاء، وبيان فضل ذلك العمل الذي هو كونهم يجاهدون في سبيل الله ويركبون البحر.
والحديث الذي أورده المصنف هنا ضعيف، وقد حصر ركوب البحر في كونه لا يركبه إلا مجاهد أو حاج أو معتمر، وهذا أيضاً غير صحيح؛ لأن البحر يركب للتجارة، ويركب لطلب العلم، ويركب لقضاء الحاجات وما إلى ذلك، وكل ذلك لا بأس به، والله عز وجل ذكر ركوب السفن، فامتن على عباده بأن هيأ لهم المركوبات في البحر كما هيأ لهم المركوبات في البر {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} [الرحمن:24]، {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل:14] فإذا كان الغالب السلامة فالناس يركبون البحر، ولا بأس بذلك.
وبالإضافة إلى كون الحديث غير صحيح، فإنه من حيث المعنى غير مستقيم؛ لأن الله عز جل امتن على عباده بركوب البحر.
وأيضاً فيه من حيث المتن ما فيه، فقوله: (إن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً) يمكن أن يكون لو ثبت على حقيقته، والله على كل شيء قدير، وذلك كما أنه يخرج من الشجر الأخضر ناراً، فيتولد هذا من هذا، لكن الحديث غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعضهم قال: إن هذا تهويل من شأن البحر وبيان خطورته.