قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل القفل في سبيل الله تعالى.
حدثنا محمد بن المصفى حدثنا علي بن عياش عن الليث بن سعد حدثنا حيوة عن ابن شفي عن شفي بن ماتع عن عبد الله -هو ابن عمرو - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قفلة كغزوة)].
أورد أبو داود رحمة الله عليه باب فضل القفل في سبيل الله.
والقفل هو: الرجوع من الجهاد بأن يذهب الإنسان مجاهداً ويرجع.
والذهاب يقال له: غزو، والرجوع يقال له: قفل أو قفول، أي: يئوب ويرجع، ومعنى ذلك: أن الإنسان من حين يخرج إلى أن يرجع فهو على فضل وهو على خير، وأنه في حال ذهابه وإيابه مجاهد في سبيل الله، وهو مأجور في ذهابه وفي إيابه، وليس الأجر مقصوراً على الذهاب، فإذا انتهى ورجع فرجوعه وما يحصل له في الطريق من سير إلى أن يصل إلى بلده لا يكون حكمه حكم الجهاد، ولا يكون شأنه شأن الجهاد، بل هو من الجهاد في سبيل الله؛ لأنه من حين يخرج إلى أن يرجع هو في سبيل الله عز وجل.
فأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (قفلة في سبيل الله كغزوة) معناه: رجوع الإنسان من الجهاد كغزوه وذهابه للقتال في سبيل الله، فذهابه وإيابه كله جهاد، وكله له به أجر عظيم، وهذا مثل ما جاء في الذهاب إلى المسجد والرجوع منه، وقد جاء في الحديث الصحيح: (أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان منزله بعيداً عن المسجد، وكان لا تفوته صلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: لو اتخذت حماراً تركبه، فقال: ما أحب أن يكون منزلي قرب المسجد، إني أحب أن يرفع الله لي بكل خطوة أخطوها درجة، ويحط عني بها خطيئة، وإذا رجعت يكتب الله لي ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله) فهذا الحديث الذي جاء هنا مثل الحديث الذي جاء في الذهاب إلى المسجد والرجوع منه.
ومن مات في الرجوع من الجهاد يقال: إنه مات في سبيل الله، والحديث الذي سيأتي في قصة أم حرام التي رأى الرسول في النوم (أن أناساً من أمته يغزون البحر كالملوك على الأسرة، فقالت أم حرام: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم) وقد سافرت مع زوجها عبادة بن الصامت لغزو الروم في البحر، وبعد رجوعهم قدمت لها بغلة لتركبها، فوقعت منها فاندقت عنقها وماتت، وقد سبق أن قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت منهم).
ومثل ذلك أي عبادة يموت الإنسان فيها، فهو على خير في ذهابه وإيابه.