قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النية في الصيام.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب قال: حدثني ابن لهيعة ويحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له)].
أورد أبو داود رحمه الله النية في الصيام، والنية في الصيام تكون للفرض، ولما هو واجب، ولما هو تطوع، والفرض يدخل فيه رمضان، أو قضاء رمضان، أو النذر، أو الكفارة، فكل هذه لا بد أن تكون النية فيها موجودة قبل الفجر، وأن يدخل في الصيام من أوله وقد نواه، وأن تكون جميع أجزاء النهار قد وجدت فيها النية من أول الصيام إلى آخره، هذا بالنسبة للفرض، أما بالنسبة للنفل فإنه يجوز أن يؤتى بالنية من وسط النهار أو من أثناء النهار بحيث أنه يقوم من نومه ما كان يريد صياماً ثم بعد ذلك يريد أن يصوم، فله أن ينوي، وتنعطف النية على النهار كله؛ لأنه لم يأكل، وهذا خاص في النافلة، وقد جاء في ذلك بعض الأحاديث كما سيأتي، وكذلك للإنسان بالنسبة للنفل أن يقطعه إذا بداله ذلك، وإن كان الأولى له أن يكمل الصيام، لكن إذا احتاج أن يقطعه له أن يقطعه.
قوله: [(من لم يجمع الصيام قبل الفجر)].
أي: يعزم على أن يصوم، وأن يكون ذلك قبل طلوع الفجر.
قوله: [(فلا صيام له)] بمعنى: أنه لو لم يبلغه دخول الشهر إلا في النهار فعليه أن يمسك بقية النهار وعليه القضاء، وإذا كان الخبر جاءه قبل طلوع الفجر، فإنه ينوي من حين طلوع الفجر، ولهذا فالفرض لابد فيه من وجود النية في جميع أجزاء الصيام من أوله إلى آخره، فلا يصلح أن تأتي في أثنائه فتنوي الصيام، بل لابد أن تكون موجودة من أوله، فمن لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له، يعني: فلا يصح صومه، وهذا إنما هو محمول على الفرض؛ لأن النفل قد جاء ما يدل على أنه يمكن أن يكون بنية من النهار.
وأما رمضان فالإنسان يأتي بالنية من أول ما يدخل الشهر، فينوي أنه صائم جميع أيام الشهر، وفي كل يوم ينوي لذلك اليوم عندما يتسحر لذلك اليوم، ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه ينوي من أول الشهر، وأيضاً يجدد النية كل يوم، وبعضهم قال: إنه يكفي لذلك نية من أول الشهر وإن لم يجددها في كل يوم، ولكن كونه يأتي بها وينوي أنه سيصوم رمضان الذي أمامه، وفي كل ليلة أيضاً ينوي أنه يصوم تلك الليلة، لكن لو أن إنساناً نام بعد صلاة العصر ولم يستيقظ إلا بعد الفجر من اليوم الثاني فهل يقال: إنه لا صيام له؛ لأنه ما نوى من الليل؟ الذي يظهر أن صيامه صحيح؛ لأنه موجود عنده العزم على أنه يصوم، وكونه نام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فإنه يواصل ويكون بذلك صام هذا اليوم.