قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في صوم يوم عاشوراء.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في صوم يوم عاشوراء] ويوم عاشوراء هو يوم العاشر من شهر الله المحرم، وكان يوماً معظماً عند اليهود، وكذلك قريش كانوا يصومونه في الجاهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم صامه معهم في الجاهلية قبل أن ينزل عليه الوحي، وكان صلى الله عليه وسلم يتعبد ويتحنث قبل أن يبعث، وهذا من تعبده وتحنثه، واختلف كيف كان يتعبد ويتحنث؟ وقد ذكر الحافظ ابن حجر أقوالاً عديدة في الشيء الذي كان يتعبد به، منها: أنه كان يتعبد على دين إبراهيم، وذكر الأقوال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأنا أشرت إليها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري، وكتب أخرى ذكرت الموضع الذي ذكر فيه الأقوال، ومن تعبده صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث أنه كان يصوم يوم عاشوراء، ولما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، وجاء في بعض الأحاديث أنه وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فصامه شكراً لله، فنحن نصومه.
فقال عليه الصلاة والسلام: نحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه).
ثم إنه بعد ذلك أرشد إلى مخالفة اليهود في الصيام، بأن يصام معه يوم قبله أو يوم بعده، والأحاديث جاءت واضحة جلية في صيام التاسع مع العاشر، واختلف العلماء: هل كان صيامه قبل أن يفرض رمضان واجباً أم أنه كان مستحباً؟ فمن العلماء من قال بأنه كان فرضاً، وأنه لما فرض رمضان ترك وجوبه وبقي على الاستحباب، ومنهم من قال: إنه على الاستحباب من أصله إلا أنه كان متأكداً أكثر، ثم بعد ذلك بقي على التأكد، ولكنه ليس كالأول.
فصيامه من آكد الصيام وأفضله، بل هو أفضل يوم يصام بعد يوم عرفة؛ لأنه قد جاء في الحديث أن صيام عرفة يكفر السنة الماضية والآتية، وأما يوم عاشوراء فيكفر السنة الماضية، وهذا يدل على فضله وعلى عظم شأن صيامه.