قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب متى يفطر المسافر إذا خرج.
حدثنا عبيد الله بن عمر قال: حدثني عبد الله بن يزيد ح وحدثنا جعفر بن مسافر حدثنا عبد الله بن يحيى المعنى حدثني سعيد -يعني ابن أبي أيوب - وزاد جعفر والليث قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب أن كليب بن ذهل الحضرمي أخبره عن عبيد قال جعفر: عبيد بن جبر قال: (كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع، ثم قرب غداؤه، قال جعفر في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال: اقترب، قلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال جعفر في حديثه: فأكل)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب متى يفطر المسافر إذا خرج.
يعني: إذا كان صائماً ثم خرج فمتى يفطر؟ هل يكمل صومه ذلك اليوم الذي بدأ به، أو أنه يمكن أن يفطر في أثناء ذلك اليوم الذي خرج في أوله أو في أثنائه؟ هذا هو مراد الترجمة، والحكم في هذا هو كالحكم في القصر، والإتيان برخص السفر، وأن الإنسان إذا غادر البلد وفارق البيوت والعمران -وإن كان يراها- فإنه يأخذ برخص السفر من فطر وقصر للصلاة، فيبدأ بالترخص من حين ما يغادر البلد، والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع خرج من المدينة وقد صلى بها الظهر، ونزل في الميقات الذي هو ذي الحليفة وقصر فيه، فصلى العصر قصراً، وهي قريبة من المدينة، فإذاً: إذا خرج الإنسان من البلد وإن كان يرى البيوت فإنه يبدأ بالإتيان برخص السفر التي هي الفطر والقصر، هذا هو الحكم، ويدل له ما أورده أبو داود من حديث أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه.
كذلك أيضاً ما جاء في القرآن، وهو قول الله عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] ((وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ)) يعني: إذا بدأ الضرب في الأرض، وإذا خرج من البلد فإنه يكون بدأ في الضرب في الأرض، فمعنى ذلك أن له أن يأخذ برخص السفر من حين يبدأ بالسفر، وقد أورد أبو داود حديث أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه.
قوله: [(كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان)].
يعني: سافروا في سفينة من الفسطاط -وهي مكان في مصر يقال له: الفسطاط- وجاء في بعض الأحاديث أنه متجه إلى الإسكندرية، وهذا كما هو معلوم يكون في نهر النيل.
قوله: [(فرفع)].
قيل: فرفع، يعني: فرفع هو ومن معه بمعنى: أنهم دفعوا وتحركوا، وفي بعض الروايات: فدفع، وفي بعضها: فدفعنا، يعني: أنهم تحركوا وانطلقوا في السفينة، وأن السفينة تحركت في البحر.
قوله: [(ثم قرب غداؤه) قال جعفر في حديثه: (فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة)].
قوله: (فقرب إليه غداؤه) هذا قاله بعض الرواة، وقال جعفر الذي هو أحد شيوخ أبي داود: (فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة) أي: المائدة التي تقدم للأكل، (فلم يجاوز البيوت) معناه: أنه جاوزها، ولكنه قريب منها؛ ولهذا قال: إنك ترى البيوت.
قوله: [(قال اقترب: قلت: ألست ترى البيوت؟)].
أبو بصرة يقول لـ عبيد بن جبر: اقترب يعني: كل، فقال: (ألست ترى البيوت) يعني: معناه أننا لا زلنا قريبين من البلد.
قوله: [(قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟)].
يعني: أن الإنسان إذا دخل في السفر أو بدأ في السفر فإن له أن يترخص، ويدل له كما ذكرت الآية: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] والضرب في الأرض إنما يكون بالبدء بالسفر.
قوله: [قال جعفر في حديثه: فأكل].
أي: الذي هو عبيد بن جبر.
والحديث دال على ما ترجم له، وهو أن المسافر له أن يترخص من حين يغادر العمران، ولكن -كما أسلفت- فيما يتعلق بالصوم في السفر الأولى أنه ينظر في ذلك إلى حال الإنسان، فإن كان عليه مشقة فالأولى له أن يفطر، وإن لم يكن عليه مشقة فالأولى له أن يصوم حتى لا يحمل نفسه ديناً قد يثقل عليه أداؤه والقيام به.