قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن أصبح جنباً في شهر رمضان.
حدثنا القعنبي عن مالك ح وحدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهما قالتا: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جنباً، قال عبد الله الأذرمي في حديثه: في رمضان من جماع غير احتلام، ثم يصوم).
قال أبو داود: وما أقل من يقول هذه الكلمة، يعني: (يصبح جنباً في رمضان) وإنما الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصبح جنباً وهو صائم)].
أورد أبو داود باباً فيمن أصبح جنباً في شهر رمضان.
يعني: فعليه أن يغتسل من الجنابة ويصوم، ولا تؤثر الجنابة على الصيام، كون الإنسان يجامع في الليل ثم ينام، ثم يطلع عليه الفجر وهو لم يغتسل فإنه يصوم صوماً صحيحاً ويغتسل، وكونه يصبح جنباً لا يؤثر ذلك على صيامه؛ لأن الذي عليه الاغتسال، والجنابة ما حصلت منه في الصيام، وإنما حصلت في الليل في وقت جوازها وكونها سائغة، ولكن تأخر الغسل، فتأخر الغسل لا يفسد الصيام، ومثل ذلك المرأة لو أنها طهرت من الحيض أو النفاس في الليل ولم تغتسل، فلها أن تصوم، وذلك لا يفسد صيامها، فإن المقصود هو انقطاع الدم، يعني: كونه انقطع الدم وكونها طهرت، وبقي التطهر، فالحكم منوط بطهرها يعني: معناه أن لها أن تصوم، وكونه بقي عليها التطهر فذلك لا يمنع من صيامها، فهي مثل مسألة الجنب، يعني: أن الحائض والنفساء إذا طهرتا وتأخر الاغتسال إلى ما بعد طلوع الفجر فإن ذلك لا يؤثر على الصيام، بل تصوم وتغتسل وقد بيتت النية في الصيام من قبل؛ لأنها قد طهرت وصارت أهلاً للصيام، وإنما أكثر ما في الأمر أنها نامت واستيقظت بعد طلوع الفجر، فهي كالذي أجنب ونام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، فإن صومه صحيح، وكذلك الحائض والنفساء صومهما يكون صحيحاً.
وقد ورد حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً فيصوم).
فقوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً) قال عبد الله الأذرمي في حديثه: (في رمضان من جماع غير احتلام ثم يصوم)].
فالحديث: (من جماع غير احتلام فيصوم) وقال أحد شيوخ أبي داود وهو الأذرمي: (في شهر رمضان) وأكثر الذين رووا الحديث أو الحديثين عن أم سلمة وعائشة ما ذكروا شهر رمضان، والحكم واحد، ولكن كونه جاء في بعض الروايات التنصيص على شهر رمضان أيضاً فإنه يدل على ذلك، ولو لم يأت هذا التنصيص فإن الحكم واحد؛ لأن الحكم يشمل رمضان وغير رمضان.
قوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جنباً) قال عبد الله الأذرمي في حديثه: (في رمضان)].
معناه أنه يأتي وقت الصباح ويدخل الفجر وهو جنب، فيغتسل ويصوم، ولا يؤثر ذلك على الصيام، وقال: من غير احتلام.
قوله: [(من جماع)].
يعني: من جماع أهله، وليس احتلاماً، واختلف في احتلام الأنبياء هل يحتلمون أو لا يحتلمون؟ فقال بعض العلماء بعدمه؛ لأنه من تلاعب الشيطان، والشيطان لا يتلاعب بالأنبياء صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم.
ومنهم من قال: إن الاحتلام يمكن أن يحصل بدون تلاعب الشيطان، وإنه يكون قوة في الإنسان فتظهر وتخرج في النوم، وعلى هذا، يقولون بجوازه في حق الأنبياء، يعني: مادام أنه لا يتعلق بتلاعب الشيطان فإنه يقع من الأنبياء، أما كون الاحتلام يكون من تلاعب الشيطان فهذا لا يكون للأنبياء؛ لأن الأنبياء لا يتلاعب بهم الشيطان، والخلاف ذكره النووي بين العلماء وأن منهم من قال بهذا، ومنهم من قال بهذا.
قوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً) قال النووي: وفيه دليل لمن يقول بجواز الاحتلام على الأنبياء، وفيه خلاف الأشهر امتناعه، قالوا: لأنه من تلاعب الشيطان وهم منزهون عنه، فالمراد: (يصبح جنباً) من جماع، ولا يجنب من احتلام لامتناعه منه.
فالذي رجح أنهم لا يحتلمون، قال: الأشهر امتناعه.