قال المصنف رحمه الله: [باب السواك للصائم: حدثنا محمد بن الصباح حدثنا شريك (ح) وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستاك وهو صائم) زاد مسدد: (ما لا أعد ولا أحصي)].
ثم أورد أبو داود باب السوك أي: للصائم؛ لأن الترجمة في باب الصيام، وهل الصائم يستاك أو لا يستاك؟ بعض أهل العلم ذهب إلى أنه يستاك في جميع أوقات الصيام في الصباح والمساء، ويستدلون على ذلك بالأحاديث المطلقة التي جاءت في الحث على السواك، ويدخل فيها حال الصيام وغير الصيام؛ لأنه ما جاء شيء يدل على إخراج حال الصيام، فالأحاديث المطلقة دالة على الاستياك للصائم، وأنه لا مانع من الاستياك للصائم؛ لأن الأحاديث التي وردت في ذلك مطلقة، لاسيما وبعضها يقيد ذلك بكل صلاة كقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) فيشمل حال الصيام وغير الصيام.
وبعض أهل العلم قال: إنه إذا كان آخر النهار فإنه لا يستاك؛ لأنه يذهب الخلوف الذي يكون في فم الصائم والذي هو من آثار ترك الأكل والشرب، فتتصاعد أبخرة من الجوف رائحتها ليست طيبة، وقد جاء في الحديث أن شأنها عظيم عند الله عز وجل، وأنها أطيب عند الله من ريح المسك، فقالوا: إن هذا يذهب الخلوف الذي هذا شأنه.
وهذا التعليل غير صحيح؛ لأن الحديث جاء بلفظ عام ويدخل في ذلك صلاة العصر؛ لأنها من جملة الصلوات وصلاة العصر هي في العشي؛ ولهذا ترجم النسائي رحمه الله فقال: باب السواك في العشي للصائم، وأورد حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) يعني: صلاة العصر تكون في العشي، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر أمر استحباب بالسواك عند كل صلاة، وأنه لم يمنعه من الأمر -أمر إيجاب- إلا خشية المشقة على أصحابه صلى الله عليه وسلم، فـ النسائي رحمه الله من دقة فهمه واستنباطه ترجم هذه الترجمة: باب السواك بالعشي للصائم، استناداً إلى حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وصلاة العصر هي من العشي داخلة في آخر النهار.
إذاً: هذا يشمل الحالات قبل الزوال وبعد الزوال، وكون السنة جاءت في ذلك لا يقال إنه يذهب الخلوف؛ لأنه وإن حصلت رائحة طيبة في الفم إلا أن الأبخرة تتصاعد، والخلوف يصير موجوداً، وليس معناه أنه زال الخلوف والرائحة التي تظهر من الجوف، وإنما هذا تطييب للفم، وقد جاء عند النسائي رحمه الله حديث: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب).
أورد أبو داود حديث عامر بن ربيعة أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم) -زاد أحد الرواة: ما لا أحصي يعني: كثيراً، فهذا فيه التنصيص على السواك للصائم، لكن الحديث ضعيف، والذي ورد هو الأحاديث المطلقة ومن بينها الحديث الذي أشرت إليه وهو: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) فيشمل الصائم وغير الصائم.