قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب وقت السُحور.
حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عبد الله بن سوادة القشيري عن أبيه قال: سمعت سمرة بن جندب رضي الله عنه يخطب ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق الذي هكذا حتى يستطير)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في وقت السحور، يعني: وقت الأكل الذي يأكله الإنسان ليتقوى به على الصيام، ووقته قبل طلوع الفجر، وإذا طلع الفجر فإنه يمسك، وإذا كان المؤذن يعتني بالوقت ومعرفته فإنه يعول على أذانه، ومن المعلوم أن الأحكام الشرعية أنيطت بأمور طبيعية يعرفها الخاص والعام والحضري والبدوي، ولم تكن الأوقات الشرعية مبنية على أمور فيها خفاء وغموض ولا يعرفها إلا من عنده ذكاء وفطنة، وإنما هي مبنية على أمور مشاهدة معاينة، فطلوع الفجر يكون عنده الإمساك، ويكون عنده أداء صلاة الفجر، فإذا طلع الفجر وجب الإمساك عن الأكل والشرب وجاء وقت صلاة الفجر، وإذا جاء وقت الغروب أقبل الليل من المشرق وذهب النهار من المغرب، وإذا غربت الشمس جاء وقت الإفطار، فالصيام يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وكذلك الصلوات أيضاً مبنية على أمور مشاهدة، فبعد طلوع الفجر يبدأ وقت الفجر إلى طلوع الشمس، والظهر يبدأ من الزوال إلى أن يكون ظل الشيء مثله، وبعده مباشرة يبدأ وقت العصر إلى أن يكون ظل الشيء مثليه، وهذا في الوقت الاختياري، والوقت الاضطراري يكون إلى غروب الشمس، والمغرب يبدأ بغروب الشمس، والعشاء يبدأ بمغيب الشفق الأحمر، وهذه أمور مشاهدة معاينة، والشهر يعرف دخوله وخروجه برؤية الهلال، فهي أمور مشاهدة معاينة ليس فيها غموض وليس فيها شيء يحتاج إلى ذكاء وإلى فطنة، فوقت السحور يكون في وقت السحر آخر الليل، وإذا طلع الفجر يمسك عن الأكل والشرب ويأتي وقت أداء صلاة الفجر، وإذا كان الإنسان يشاهد ذلك في برية فإنه يعمل به، وإذا كان في مدينة أو في بلد والمؤذن يعتني بضبط الوقت وحفظ الوقت فإنه يعول على أذانه.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه كان يخطب ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بيان السنن وإعلانها على المنابر، وبيان الأحكام الشرعية في الخطب، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كانوا يفعلون، فـ سمرة يقول في خطبته: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنعن من سحوركم أذان بلال) أي: لأنه يؤذن بليل قبل طلوع الفجر الذي يحرم الأكل، بل كلوا واشربوا؛ لأن المؤذن الذي يؤذن الأذان الأول يؤذن في آخر الليل قبل طلوع الفجر، وذلك ليوقظ النائم ويرجع القائم، القائم أي: الذي كان يقوم الليل يستريح ويأخذ شيئاً من الراحة لينشط لصلاة الفجر، والذي يكون نائماً يستيقظ ليوتر إذا كان لم يوتر، وليتسحر إذا كان يريد أن يصوم، وليغتسل إذا كان عليه جنابة.
وقوله: (ولا بياض الأفق الذي هكذا) يعني: الذي يسمونه الفجر الكاذب الذي يظهر مستطيلاً ولا يأتي معترضاً، وإنما هو مستطيل ممتد، فهذا الفجر الذي يظهر في الأفق مستطيلاً لا يمنع من الأكل والشرب حتى يأتي الفجر الذي يأتي عرضاً مع الأفق، ويتزايد شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس، هذا هو الذي إذا وجد يكون عنده الإمساك، الذي يأتي عرضاً لا الذي يأتي طولاً.
قوله: (ولا بياض الأفق الذي هكذا) فيه إشارة إلى أنه مستطيل وأنه ممتد في السماء ليس على جهة العرض.
وقوله: (حتى يستطير) يعني: حتى يأتي عرضاً وذاك يذهب وينتهي، وأما الذي يأتي عرضاً فإنه يزيد شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس.