قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في توكيد السحور.
حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عُلّي بن رباح عن أبيه عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)].
أورد أبو داود رحمه الله باب توكيد السحور، يعني: تأكده وأنه يحرص عليه ويؤتى به، وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على ذلك في الصحيحين وفي غيرهما.
والسُحور بالضم المقصود به: الفعل، والسَحور بالفتح المقصود به: الطعام الذي يؤكل، ولهذا نظائر، أي: ما كان بالفتح يراد به الشيء الذي يستعمل، وما كان بالضم يراد به نفس الاستعمال، كالطهور، والوضوء، والوجور، والسعوط، وغيرها، فالسَحور هو: اسم للطعام الذي يؤكل في السحر، والسُحور هو: نفس الأكل، والسَعوط هو الشيء الذي يوضع في الأنف، يعني: نفس الدواء الذي يوضع في الأنف، والسُعوط هو نفس الفعل، يعني: كونه يضع الدواء في الأنف.
وأورد أبو داود حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) وهذا فيه توكيد السحور؛ لأن فيه مخالفة لأهل الكتاب، وأن هذا مما يتميز به المسلمون عن أهل الكتاب، وقيل: إن أهل الكتاب -كما جاء عن المسلمين في أول الأمر- كان الواحد منهم إذا نام ثم استيقظ فإنه لا يأكل شيئاً ويواصل إلى النهار الثاني حتى يأتي وقت الإفطار، وكان المسلمون كذلك في أول الأمر كما سبق أن مر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ثم إن الله تعالى خفف ويسر على المسلمين فنسخ ذلك الذي كان شرع أولاً وكان على المسلمين فيه مشقة، وأذن لهم أن يأكلوا ويشربوا ويجامعوا إلى طلوع الفجر، فالسحور مع كونه فيه بركة -كما جاءت بذلك الأحاديث- فيه مخالفة لأهل الكتاب.