قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا أغمي الشهر.
حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي حدثني معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب إذا أغمي الشهر، أي: إذا كان هناك غيم أو قتر يحول دون رؤيته، فالذي ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إن لم يرُ هلال رمضان فتكمل عدة شعبان ثلاثين، وإن كانت العدة لرمضان فيكمل رمضان ثلاثين، وإن رئي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان أصبح الناس صائمين، ويكون ذلك أول يوم من رمضان، وإذا رئي هلال شوال ليلة الثلاثين من رمضان أصبح الناس مفطرين، وهذا هو الحكم الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره) يعني: أنه كان يجتهد ويعتني بمعرفة دخوله ما لا يعتني بغيره من الشهور الأخرى التي ليست كرمضان أو ذي الحجة؛ لأن ذا الحجة يعتنى بمعرفته من أجل الحج، ورمضان يعتنى بمعرفته من أجل الصيام، ولكن شهر شعبان كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني فيه بمعرفة دخوله؛ من أجل أن يحسب الحساب حتى يعرف يوم الثلاثين، فإذا ثبت دخول شعبان في ليلة معينة فإنه سيبحث عن هلال رمضان في ليلة الثلاثين.
فقوله: (يتحفظ) أي: أنه يعتني ويحرص ويجتهد لمعرفة وثبوت دخوله من أجل العدة والحساب؛ لأنه إذا لم يعرف دخول الشهر فلن يعرف الحساب، ولن يعرف الثلاثين، ولكن إذا عُرف أنه دخل في الليلة الفلانية فإن الناس يعدون إلى التسعة والعشرين، وإذا جاءت ليلة الثلاثين بحثوا عن الهلال فيها، فإن رأوه أصبحوا صائمين وإلا أكملوا العدة.
وقوله: (ثم يصوم لرؤية رمضان) يعني: إذا رؤي ليلة الثلاثين من شعبان وثبت دخول الشهر صارت من رمضان وليست من شعبان، ويصير شعبان تسعة وعشرين.
وقوله: (فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام) يعني: إن غم هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان وكان الهلال لا يرى من الغيم والقتر فتكمل العدة ثلاثين، ثم بعد ذلك يصبح الإنسان صائماً بعد الثلاثين؛ لأنه لم يثبت هلال شعبان، فإذا جاءت ليلة الثلاثين من شعبان يبحث عن الهلال إن كان الجو صحواً فإن رؤي وإلا أكملوا العدة، وإن كان غيماً ولا مجال للبحث عن الهلال فإنهم يكملون العدة كما لو كان صحواً ولم يروه، وعلى هذا فالاجتهاد والعناية تكون بدخول شعبان؛ من أجل الحساب لرمضان حتى تعرف ليلة الثلاثين، فإذا دخل -مثلاً- في يوم الجمعة فتصير الجمعة تسعة وعشرين؛ لأن الشهر إذا دخل في يوم ينخصم به إذا كان ناقصاً غير كامل فاليوم الذي يدخل فيه الشهر يوافق ثمانية من الشهر، ويوافق خمسة عشر من الشهر، ويوافق اثنين وعشرين من الشهر، ويوافق تسعة وعشرين من الشهر، فإذا دخل الشهر في يوم الجمعة يبحث عن الهلال ليلة السبت، ولا يبحث عنه ليلة الجمعة؛ لأن الجمعة تعتبر تسعة وعشرين، ولكن ليلة السبت هي ليلة الثلاثين، فيبحث عن الهلال إن كان صحواً، وإذا لم يوجد أصبح الناس مفطرين؛ لأنه لم يرُ الهلال، وإن كان غيم فإنهم يكملون العدة.