قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عروة بن الزبير أنه قيل لـ عائشة رضي الله عنها: ألم تري إلى قول فاطمة؟ قالت: (أما إنه لا خير لها في ذلك)].
أورد أبو داود الأثر السابق من طريق أخرى، وفيه أن عائشة رضي الله عنها قيل لها: ألم تري إلى قول فاطمة؟ أي: أن المطلقة المبتوتة لا سكنى لها ولا نفقة، فقالت: (أما إنه لا خير لها في ذلك) أي: أن تذكر شيئاً قد جاء القرآن بخلافه، وهذا كما فهمت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، تعني: أنه كان الأولى لها ألا تفعل ذلك، ولكن لا تنافي بين ما جاء في القرآن وما جاء في قول فاطمة بنت قيس رضي الله عنها؛ لأن فاطمة هي صاحبة القصة، وقد أفنت بذلك وأخذت بفتواها، وهذه الفتوى التي أخبرت بها لا حظ لها فيها؛ لأنها تتعلق بشيء لا مصلحة لها فيه، وإنما تخبر بالذي حصل، فحظها أن يكون لها سكنى ونفقة، وهي تخبر بأنه: لا سكنى لها ولا نفقة، والقرآن إنما هو في الرجعية التي للزوج حق الرجوع إليها، وأما المطلقة فإنه لا سبيل إليها، وقد جاء في بعض الروايات الصحيحة: (إنما النفقة والسكنى لمن له الرجوع إليها، أو لمن للزوج سبيل إليها).
فهذا يدل على أن النفقة والسكنى تكون من أجل أن لها صلة بالزوج، وأما المطلقة المبتوتة فإنها لا صلة لها، فقوله: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ} [الطلاق:6] إنما هو في الرجعيات، وكذلك يكون في المطلقات طلاقاً بائناً إذا كن حوامل، وقد جاء في نفس حديث فاطمة رضي الله عنها: (إلا أن تكوني حاملاً)، وهذا يدل على أن المطلقة المبتوتة لا نفقة لها ولا سكنى.