قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية (أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنهما، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى وسلم: من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل، قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس -لزوجها-، فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذه حبيبة بنت سهل، وذكرَتْ ما شاء الله أن تذكر، وقالت حبيبة: يا رسول الله! كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لـ ثابت بن قيس: خذ منها، فأخذ منها وجلست هي في أهلها)].
أورد المصنف حديث حبيبة بنت سهل رضي الله تعالى عنها، وكانت تحت ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، وثابت بن قيس بن شماس هو صاحب القصة في سبب نزول قول الله عز وجل: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] فقد وكان جهوري الصوت، فخشي أن يكون ممن نزلت فيه هذه الآية، فجلس في بيته يبكي، وفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل عنه، سعد بن معاذ، فقال: أنا آتيك بخبره، فذهب إليه، فأخبره ثابت بالسبب الذي جعله ينعزل في بيته، فجاء سعد بن معاذ وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: (إنه من أهل الجنة) فهو ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
قوله: [(قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس)] تعني: لا نجتمع، لا أنا ولا هو ولا نبقى على ما كنا عليه، أي: تريد الخلاص منه وتريد فراقه.
فلما جاء زوجها ثابت بن قيس بن شماس قالت ما شاء الله أن تقول مما في نفسها، ومما قالته: كل الذي أعطاني عندي، أي: الذي أعطاها من المهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [(خذ منها، وجلست هي في أهلها) وهذا يدل على أن المختلعة ليس لها نفقة؛ لأنها جلست في بيت أهلها، فلا نفقة لها ولا سكن بعد أن انتهى عقد الزواج الذي بينهما بالفسخ الذي قد حصل على خلاف بين أهل العلم: هل الخلع يكون فسخاً أو يكون طلاقاً؟ ولكن الأدلة واضحة في أنه فسخ وليس بطلاق، والفسخ بينونة، وإن أرادوا الرجعة فيكون بينهما زواج جديد؛ لأن العقد الأول قد انتهى بالفسخ.
والطلاق -كما هو معلوم- له عدة، والفسخ تستبرأ بحيضة فقط حتى يُعلم براءة رحمها، مثل المسبية التي تُستبرأ بحيضة، وأما إذا كان طلقها طلاقاً فهذه يكون عليها عدة وهي ثلاث حيض إذا كانت تحيض.
قوله: [(وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس)].
أي: في صلاة الفجر، والغلس أي: الظلام.
وإذا كان الخلع بدون عوض فلا يسمى خلعاً؛ لأنه لا يوجد خلع بدون عوض، بل لا بد من العوض.
وإذا أراد الزوج أن يراجع زوجته المختلعة فليس له مراجعة، وإنما يحتاج إلى عقد للزواج.
وللزوج أن يرفض طلب زوجته في الخلع، إلا إذا كانت لا تستطيع العيش معه لسوء عشرة، ورأوا الأمر ما استقام، فكما قال الله عز وجل: {فَابْعَثُوا حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:35].
فإن كانت المختلعة حاملاً فعدتها وضع الحمل.