قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين حدثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إن لي جارية أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل.
فقال: اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها.
قال: فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حملت.
قال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها)].
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار كان له جارية، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد الاستمتاع بها، وإني أخشى أن تحمل -وإذا حملت صارت أم ولد- فقال: [(اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها)] يعني: إن كان الله كتب أنه يوجد ولد فسيكون.
فما لبث إلا فترة من الزمان ثم جاء وقال: إنها حملت.
فقال له صلى الله عليه وسلم: إني قد أخبرتك أن ما قدره الله لا بد من أن يكون.
فهو دال على أن العزل جائز، وأن العزل لا يمنع حصول الولد، فقد يوجد الولد مع العزل، والشيء الذي قدر الله تعالى أن يكون لا بد من وجوده ولا بد من حصوله، وهو دليل على جواز العزل.
وكذلك يجوز للمرأة إذا كانت مضطرة إلى أن تعمل على تأخير الحمل لأمر يقتضي ذلك كأن تكون مريضة ويشق عليها الحمل، أو أن الحمل يتتابع عليها ولا تستطيع أن تقوم بتربية أبنائها، فإنها إذا كانت تلد في كل سنة فإنها تحتاج إلى أن تحمل هذا وتحمل هذا، فقد تلد مولوداً والذي قبله لا يستطيع المشي، فلا تستطيع أن تحملهم؛ فكونها تتخذ الشيء الذي يؤخر الحمل زمناً يسيراً ولا يقطعه حتى تتمكن من تربيتهم، أو أن تتابع الحمل يضرها في جسمها وفي صحتها؛ فلا بأس بذلك.
أقول: لا مانع من اتخاذ شيء يؤخر الحمل، والذي لا يجوز هو تحديده أو قطعه، وذلك بأن يقول: أنا أريد كذا وكذا ولداً وبعد ذلك لا أريد شيئاً، فيقطع النسل أو يعمل على قطعه، فهذا هو الذي لا يجوز، كما أنه لا يجوز منع الحمل باتخاذ الحبوب ونحوه خشية النفقة على الأولاد؛ لأن الله تعالى هو الذي يرزق، وقد يكون وجودهم سبباً في تحصيل الرزق من الله تعالى.