قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز قال: دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فجلست إليه فسألته عن العزل، فقال أبو سعيد: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبياً من سبي العرب، فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة، وأحببنا الفداء، فأردنا أن نعزل، ثم قلنا: نعزل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله عن ذلك! فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله في كونهم كانوا يعزلون من أجل أن لا تحمل المرأة، وهذا الفعل الذي فعلوه -وهو العزل- لا يكون صاداً وراداً لما قدر الله تعالى أن يكون؛ لأن الحمل قد يوجد مع العزل -كما ذكرنا- بانطلاق قطرة يسيرة يكون بها الحمل مع حرص الرجل أن لا تنطلق هذه القطرة منه ثم يخرج ما يخرج خارج الفرج، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس من كل الماء يكون الولد)، أي: فهذا الذي لا تريدونه إذا كان الله عز وجل قدره فإنه لا سبيل إلى صده ولا سبيل إلى رده.
قوله: [(فأصبنا سبياً من سبي العرب)] هذا يدل على أن العرب يسبون كما يسبى غيرهم.
قوله: [(فاشتهينا النساء)]، يعني الاستمتاع بهن [(واشتد علينا العزبة)] وهي عدم التمكن من الاستمتاع بالأهل، وذلك لأنهم مسافرون، ولكنهم حصلوا هذا السبي وقد اشتهوا.
قوله: [(وأحببنا الفداء)] يقصد بذلك أنهم أحبوا أن يأخذوا قيمة السبي إذا احتاجوا إلى ذلك، واستمتاعهم بهن يفضي إلى أن يحملن، وإذا حملن لا يتمكنون من البيع، فلا يحصلون القيمة التي تكون في مقابل بيعهن.
قوله: [(فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا)].
يعني: فعلكم هذا الذي تفعلون من أجل أنه لا يحصل حمل لا يرد الشيء الذي قدره الله عز وجل؛ لأنه إذا قدر الله أن يكون فإنه لا بد من أن يكون.