قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان حدثه أن رفاعة حدثه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن لي جارية وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل موءودة الصغرى.
قال: كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن لي جارية، وإني أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل.
أي أنه يعزل عنها لئلا تحمل، فيخشى أن تحمل؛ لأنها إذا حملت صارت أم ولد، فيفوت عليه بيعها أو التصرف فيها بالبيع، قال: وإن اليهود يقولون: إنها الموءودة الصغرى.
فقال صلى الله عليه وسلم: (كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه)].
يعني: إذا كان الله عز وجل أراد أن يخلقه فلا يستطيع أحد أن يصرف ما قدره الله عز وجل وأراده؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال الشاعر: فما شئتَ كان وإن لم أشأ وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن فالشيء الذي قدر وكتب لا سبيل إلى رده، ولا يستطيع الإنسان أن يصرفه.
وقولهم: إنها الموءودة الصغرى معناه أنهم يقصدون بذلك أنه لما انعقد السبب -وهو الجماع الذي هو سبب وجود الولد- ثم إنه عزل من أجل عدم حصول الولد فإنه يكون كأنه قضى عليه بعد أن انعقد سببه، ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأنه قد يوجد السبب ولا يوجد المسبب، والوأد إنما هو وأد البنت الحية، بأن يدفنها وهي حية ويتخلص منها، فهذه هي الموءودة التي كانوا يئدونها في الجاهلية، وذكرها القرآن في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9] فالرسول صلى الله عليه وسلم كذبهم، وقال: إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق الولد فإنه لا أحد يستطيع أن يصرف وأن يمنع وأن يحول بين وجود ذلك الشيء الذي قدره الله عز وجل؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل شيء شاءه الله لا بد من وجوده، وكل شيء لم يشأه الله لا سبيل إلى وجوده.
وقوله: [(وأنا أريد ما يريد الرجال)] أي: من الوقاع والاستمتاع، ولا يريد الولد خشية أن تصير أم ولد فلا يتمكن من بيعها، وكذلك -أيضاً- يريد ما يريد الرجال من الاستفادة منها في بيعها إذا أراد، فهو يريدها من ناحية الاستمتاع ولا يريد ولداً يمنعه من البيع.