قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في العزل.
حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن قزعة عن أبي سعيد رضي الله عنه، ذكر ذلك عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم -يعني العزل- قال: (فلم يفعل أحدكم؟ -ولم يقل: فلا يفعل أحدكم- فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها) قال أبو داود: قزعة مولى زياد].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [باب ما جاء في العزل] والعزل هو العزل عن النساء، بحيث يجامع الإنسان المرأة، فإذا جاء وقت خروج المني ينزع ويفرغ خارج الفرج، فهذا هو العزل، وكانوا إذا حصلوا على السبي واشتهوا الوقاع يخافون أن تحمل الأمة بسبب الوقاع فتكون أم ولد، وحينئذ لا يتمكنون من بيعها، فكانوا يعزلون حتى لا يحصل الحمل الذي تصير به الأمة أم ولد تعتق بعد الموت.
والعزل جاء في السنة ما يدل على أنه سائغ وأنه لا بأس به، فقد ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن).
والعزل من الأمة لا بأس به، وأما من الحرة فإنه لا بد فيه من إذنها؛ لأن لها حق الجماع ولها الحق في تحصيل الولد، وكذلك الأمة المزوجة لا يعزل عنها إلا بإذن مواليها؛ لأن لهم الحق في ذلك، ولأن الولد يكون تابعاً للأم في الرق، فإذنهم معتبر في ذلك، وعلى هذا فأمة الرجل له أن يعزل عنها، والأمة المزوجة ليس لزوجها أن يعزل عنها إلا بإذن مواليها، لأن الولد منه يكون رقيقاً لهم، فلهم حق في الولد، وحينئذ فلا يعزل إلا بإذنهم، إلا إذا اشترط أن يكون الولد ليس لهم فله ما اشترط.
وأورد أبو داود هنا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم العزل فقال: [(فلم يفعل أحدكم؟)] ولم يقل: لا يفعل أحدكم ذلك.
ثم قال: [(فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها)]، يعني: ما من نفس كتب الله عز وجل وقدر وقضى أنها توجد إلا ولا بد من أن توجد، فالشيء الذي قدره الله لا بد من أن يوجد، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وفي الحديث: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن العزل يراد من ورائه عدم الحمل، وإذا كان الله قدر أن يوجد الحمل فإنه يوجد ولو وجد العزل، وذلك بأن تنطلق قطرة مع حرصه على أن لا يخرج شيء فيكون منها الحمل، ولهذا جاء في صحيح مسلم (ليس من كل الماء يكون الولد) ومعناه أن الحمل لا يأتي من جميع المني، وإنما قطرة واحدة من المني ونقطة يسيرة يكون بها الحمل.
فإذاً: هذا الذي يعزل إذا كان الله أراد أن يوجد له الولد فإنه قد تنطلق منه قطرة يكون منها الولد ولو حصل منه العزل.