قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن معمر قال: حدثنا محمد بن بكر البرساني قال: أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذا الحديث تحت ترجمة [باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً] وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته)].
والحديث يدل على أن ما كان قبل العقد وقبل الزواج أعطيته المرأة أو أعطي من أجلها، سواء أكان صداقاً أم حباءً -وهو المنحة أو العطية أو الهبة- أم عدة فإنه يكون لها، وما كان بعد عصمة النكاح فإنه يكون لمن أعطيه ولمن جعل له.
ومقتضى هذا الحديث أن كل ما دفع من أجل الزواج فإنه يكون لها ولو أعطي لغيرها أو خصص لغيرها، وما كان بعد ذلك -أي: بعد الزواج وبعد العقد- فإنه لمن جعل له، سواء أبوها أو أخوها أو أمها أو أي أحد من قرابتها؛ لأن ما حصل بعد ذلك فإنه يكون من الإكرام ومن الإحسان وليس مرتبطاً بالزواج لأنه حصل بعد الزواج، وما كان قبل الزواج فإنه يكون لها، سواء خصص لها أو لغيرها، فإنه يكون كله لها وليس لأحد منه شيء، هذا هو مقتضى هذا الحديث.
والحديث فيه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو مدلس، وقد جاء من طريقه بالعنعنة، فضعفه الشيخ الألباني رحمه الله من أجل تدليس ابن جريج ومن أجل عنعنته.
ويبقى المعنى أنه إذا اشترط الولي شيئاً لنفسه فإنه لا يجوز ذلك؛ لأنه يؤدي إلى العضل وإلى تفويت الزواج عليها بسبب العراقيل التي تكون في الطريق إليها من قبل ذلك الولي الذي يشترط لنفسه شيئاً.
أما إذا أعطي من غير اشتراط بل كان إكراماً فإنه لا بأس بذلك، سواء أكان قبل العقد أم بعده.
وأما الاشتراط فإنه لا يليق ولا يسوغ، واللائق بالرجل أن يحرص على تزويج موليته وتسهيل الزواج لها، وأن يحذر من وضع العراقيل التي تحول دون ذلك أو التي تبعد الخطاب وتبعد من يرغب في الزواج عن التقدم للمرأة إذا عرف منه الجشع والطمع، فيئول الأمر إلى أن تفوت الفرصة على موليته، وهذا ليس من النصح للمولية، بل النصح لها يكون بتمكينها من الزواج من الكفء الذي يتقدم لها ولا يسعى لتحصيل شيء منه، وإنما المهم في الأمر أن يسعى في إسعادها وفي راحتها وفي إعفافها وفي تمكينها من الزواج.
فالذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنه إذا أعطي وإذا أكرم بشيء فإن له ذلك، وإذا كان ذلك بشرط فإنه لا يسوغ له مثل هذا العمل، وهو لا يليق بذوي الأخلاق الكريمة والشيم والمروءة.
وإذا اشترط شيئاً فأعطيه فالذي يظهر أنه يكون للمرأة وأما ما يحصل من بعض الناس، حيث يدفع المهر في الظاهر للبنت ثم بعد ذلك يأخذه الأب أو الأخ فهذا غير صحيح، والواجب على الولي أن يدفع تلك الأمانة إلى المرأة ولا يبخس منها شيئاً، بل الذي ينبغي أن يزيد لها من ماله ويساعدها، لا أن يدفعه الجشع إلى أخذ حقها، وإن أخذ شيئاً منه فقد قال بعض أهل العلم بجواز ذلك لحديث (أنت ومالك لأبيك) قالوا: ويد الأب مبسوطة على مال ولده.
إلا أنه مع ذلك يكون اللائق به أن لا يأخذ من مال ابنته شيئاً.