قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يتبوأ لبوله: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا أبو التياح حدثني شيخ قال: لما قدم عبد الله بن عباس البصرة فكان يحدث عن أبي موسى فكتب عبد الله إلى أبي موسى يسأله عن أشياء فكتب إليه أبو موسى: (إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دَمِثاً في أصل جدار فبال، ثم قال: إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعاً)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب الرجل يتبوأ لبوله، يعني: يبحث أو يختار مكاناً مناسباً لبوله؛ لأنه لما ذكر في الباب الأول ما يتعلق بالتستر عند قضاء الحاجة، ذكر أنه إذا كان في فضاء يذهب بعيداً حتى لا يراه أحد، وإذا كان في مكان كالأبنية أو الخيام أو ما إلى ذلك فليكن في مكان يستره عن الناس.
فالباب الأول يتعلق بالتستر، وأن الإنسان يبتعد عن الناس عند قضاء حاجته إذا كان في فضاء، أو يذهب إلى الأماكن المخصصة لقضاء الحاجة في البيوت مثل الكنف والمراحيض.
وفي هذه الترجمة المقصود: أن ينظر المكان المناسب الذي يبول فيه؛ لأن المكان قد يكون صلباً وإذا وقع عليه البول تطاير على البائل؛ وأما إذا كان رخواً فإن الأرض تشربه ولا يرتد عليه، فيختار الإنسان مكاناً مناسباً ليبول فيه بأن يكون دمثاً، والدمث: هو الأرض السهلة الرخوة الترابية التي إذا وقع عليها البول راح وغاص فيها.
أما إذا كانت الأرض صلبة فإن وقوعه على الأرض يكون معه التطاير، وأيضاً ما لم تشربه الأرض فقد يسيل ويرجع على البائل إذا كان في مكان أعلى منه، وعلى هذا فالذي ينبغي على الإنسان أنه إذا جلس في الأرض ليقضي الحاجة أن يختار أرضاً رخوة، وأن يكون أعلى من المكان الذي يبول فيه؛ لأنه إذا كان المكان أعلى منه قد ينزل البول ويرتد عليه، ولكنه إذا كان المكان أنزل منه فإنه لا مجال إلى ارتداه، وإذا كانت الأرض رخوة فإن الأرض تشرب البول ويذهب في الأرض ولا يتطاير على صاحبه.
أورد أبو داود رحمة الله عليه حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثاً في أصل جدار)، يعني: مكاناً سهلاً في أسفل الجدار أو بجوار الجدار، وإذا كان الجدار أمامه فهذا أكمل في الاستتار.
والدماثة هي السهولة، ولهذا يقال عمن فيه سهولة في خلقه: دمث الأخلاق، أو فيه دماثة؛ إشارة إلى السهولة وعدم الشدة، كما أن الأرض التي بهذه السهولة يقال لها: دمثة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم اختار مكاناً دمثاً في أصل جدار، يعني: مكاناً رخواً في أسفل الجدار بحيث يكون الجدار أمامه يستتر به، فكون الجدار أمامه فيه سترة فلا يراه أحد من أمامه، وكذلك أيضاً كون الأرض دمثة، معناه: أن البول ينزل فيها ولا يرجع ولا يتطاير على صاحبه.
وقوله: {فبال ثم قال صلى الله عليه وسلم: إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعاً))، يعني: يبحث أو يختار لبوله مكاناً وموضعاً مناسباً فيه السهولة، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث: أنه يبحث عن مكان سهل، ويختار موضعاً مناسباً من حيث الاستتار كما استتر صلى الله عليه وسلم بالجدار أن يكون مكاناً دمثاً أو أرضاً سهلة رخوة ينزل فيها البول وليست صلبة.