قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يُسأل يوم منى فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج، قال: إني أمسيت ولم أرم، قال: ارم ولا حرج)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم منى فيقول: لا حرج)] أي: أنه كان يسأل عن التقديم والتأخير، فكان يقول: [(لا حرج)]، وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال في يوم النحر على النحو التالي: رمي، ثم نحر، ثم حلق، ثم طواف، فبعض الناس قدم وأخر، فجاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ترتيبهم ليس كترتيب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كلما سئل قال: [(لا حرج)] فجاءه رجل وقال: [(حلقت قبل أن أنحر)]، والنبي صلى الله عليه وسلم نحر ثم حلق، فقال: [(اذبح ولا حرج)] أي: لا حرج عليك في تقديم وتأخير النحر لا حرج عليك، وهذا يدل على أن الترتيب ليس بلازم وليس بواجب، وأنه يجوز التقديم والتأخير، ولكن الإتيان بها وترتيبها كما رتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل، لكن لو قدم بعضها على بعض وخالف هذا الترتيب فإنه سائغ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم أو أخر إلا قال: [(لا حرج)].
قوله: [(قال: إنس أمسيت ولم أرم)] يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى ضحى، فهذا جاء المساء وهو لم يرم في الصباح، فقال: [(ارم ولا حرج)] فدل هذا على أن النهار كله وقت للرمي يوم العيد، وأنه يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، وأن من رخص له في الانصراف من مزدلفة آخر الليل، فإن له أن يرمي كما فعل ذلك بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم سلمة رضي الله عنها، وكذلك أيضاً أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما.
لم يتمكن من الرمي في النهار له أن يرمي في الليل الذي بعده، وليس ذلك مقصوراً على نصف الليل، بل إلى الفجر، ولكنه عن شيء سابق، ليس عن شيء قادم، لا يقدم مثلاً رمي يوم الثاني عشر ليلة إحدى عشرة، ولكنه يمكن أن يرمي عن يوم العيد في الليل، ويمكن أن يرمي عن يوم الحادي عشر ليلة اثني عشرة، إذا لم يتمكن من الرمي قبل الغروب.