قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله.
حدثنا محمد بن العلاء وأيوب بن محمد الرقي وعمرو بن عثمان الحمصي المعنى قالوا: حدثنا مروان بن معاوية أخبرنا هلال بن ميمون الجهني عن عطاء بن يزيد الليثي قال هلال: لا أعلمه إلا عن أبي سعيد رضي الله عنه وقال أيوب وعمرو: وأراه عن أبي سعيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنحَّ حتى أريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ).
قال أبو داود: زاد عمرو في حديثه: (يعني لم يمس ماءً)، وقال: عن هلال بن ميمون الرملي].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي (الوضوء من مس اللحم النيء وغسله) يعني: قد يكون فيه دم، فهل يتوضأ من هذا الفعل أو يغسل؟ أورد أبو داود رحمه الله في هذا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام يسلخ شاة، فقال: تنح حتى أريك) يعني: أريك كيفية السلخ، ولعله رآه يفصل الجلد من اللحم بالسكين، فأراه النبي صلى الله عليه وسلم الطريقة السهلة التي ليس فيها عناء ولا مشقة، (فتنحى الغلام، فأدخل النبي صلى الله عليه وسلم يده بين اللحم والجلد فدحس بها) يعني: حركها ودفع يديه حتى غاصت إلى الإبط، أي: بدون سكين فما دام أنه يدخل يده ويحركها بين الجلد واللحم فإنه ينفصل الجلد من اللحم، ولا يلحق بالجلد شيء، بل يكون الجلد مستقلاً بنفسه وليس عليه لحم، ويكون اللحم مستقلاً لم يذهب منه شيء، بخلاف الدحس بالسكين فإنه قد يقطع قطعة من الجلد فتكون مع اللحم، وقد يقطع قطعة من اللحم فتكون مع الجلد، وأما هذه الطريقة التي أرشده إليها الرسول صلى الله عليه وسلم -والتي يعرفها كثير من الناس- فهي أنه يدخل يده ويحركها حتى ينفصل الجلد من اللحم.
قوله: [(فدحس بها حتى توارت إلى الإبط)].
يعني: أن يده دخلت حتى ذهبت إلى مكان بعيد، بسبب هذا الدفع الذي حصل ليده وانفصل بسببها الجلد من اللحم.
قوله: [(ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ)].
يعني: لكونه لمس هذا اللحم، وهذا اللحم إن كان فيه دم، فإن كان نجساً فهو لا يحتاج إلى وضوء، وإنما يحتاج إلى غسل؛ لأن النجاسة لا تحتاج إلى وضوء، فإذا جاءت على جسد الإنسان وهو متوضئ فيزيله وهو باقٍ على وضوئه، وإن كان غير نجس فليس في ذلك إشكال.
وذكر في بعض الروايات قال: (يعني: لم يمس ماءً) ولعل ذلك لكونه لم يكن عليها شيء من الدم؛ لأن الغالب أن ما بين الجلد واللحم لا يكون فيه دم، وإنما ينفصل الجلد من اللحم، واليد لا يكون فيها شيء من الدم؛ لأن اللحم لم يقطع حتى يخرج منه شيء من الدم.
فمس اللحم النيء لا يتوضأ منه، وكذلك لا تغسل اليد منه، ما دام أنه لم يعلق بها شيء، فإن علق بها شيء فيغسل غسلاً بدون وضوء.
وقوله: [باب: الوضوء من مس اللحم النيء وغسله] لا أدري، هل يقصد بقوله: (وغسله) أن الإنسان إذا لمسه يتوضأ ويغسل، أو أن المقصود به إذا غسله بماء وحركه بيده فإنه يتوضأ؛ لأنه قد يكون خالطه شيء من الدم، فإذا كان يرجع الضمير إلى اللحم النيء فمعناه: أنه لا يتوضأ منه، لأنه إن كان نجساً فيغسل النجاسة، وإن كان غير نجس فليس هناك أمر يقتضي الوضوء، وكأن الضمير يرجع إلى اللحم، وليس إلى الإنسان.