شرح حديث: (الحج يوم عرفة من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من لم يدرك عرفة.

حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثني بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الحج؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى: الحج الحج يوم عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه، أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه, قال: ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بذلك).

قال أبو داود: وكذلك رواه مهران عن سفيان قال: (الحج الحج) مرتين، ورواه يحيى بن سعيد القطان عن سفيان قال: (الحج) مرة].

قوله: [باب من لم يدرك عرفة].

يعني: من لم يدرك الوقوف بعرفة فقد فاته الحج, والوقوف فيها يستمر إلى طلوع الفجر من ليلة العيد, فإذا طلع الفجر والإنسان لم يصل إلى عرفة فإنه قد فاته الحج هذا العام، ويتحول إلى عمرة, ويتحلل.

والحج له زمان ومكان, له مكان هو عرفة, فلا بد من الوقوف فيها, وله زمان هو يوم عرفة, وليلة العيد إلى طلوع الفجر, فمن لم يصل إلى عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة العيد, فإنه قد فاته الحج؛ لأن له نهاية وله غاية.

وأما الأركان الأخرى مثل: طواف الإفاضة، فإنه ليس له وقت محدد فلا يفوت بوقت من الأوقات، بل يمكن أن يفعل في أي وقت.

ولو أن إنساناً نسي طواف الإفاضة ومضى عليه أشهر، فإنه يمكن أن يأتي به، وأما الوقوف بعرفة فإن له أمداً ينتهي عنده وهو طلوع الفجر.

كذلك هناك مكان للوقوف بعرفة, فلا يجوز للإنسان أن يقف خلف عرفة, ولو وقف خارج عرفة لم يحصل منه وقوف, وكذلك الزمان وهو يوم عرفة وليلة العيد إلى طلوع الفجر, فإذا طلع الفجر ولم يصل إلى عرفة -ولو جاء من أقصى الدنيا- فاته الحج.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه قال: [(أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الحج؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى: الحج الحج يوم عرفة)].

يعني: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينادي حتى يسمع الناس ويرفع صوته: الحج الحج يوم عرفة.

ومعنى ذلك: أن أهم أعمال الحج أو الشيء الذي له أمد ينتهي ولا يمكن أن يتدارك هو يوم عرفة، أما غيرها من الأمور الأخرى مثل الطواف والسعي فإنها تتدارك أو فاتت ولو نسيت، ولكن الوقوف لو ذهب زمانه فإنه لا مجال لتداركه.

قوله: (الحج الحج يوم عرفة) فيه إشارة إلى أهميته وعظم شأنه؛ لأنه الركن الذي لا بد منه, حيث إنه الركن الذي يفوت الحج بفواته؛ لأن له أمداً محدداً وزمناً محدداً.

قوله: (من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه).

يعني: من جاء إلى عرفة قبل صلاة الصبح من ليلة مزدلفة فقد تم حجه، وذلك قبل طلوع الفجر, ويسقط عنه المبيت بمزدلفة، ومن جاء بعد ذلك فقد فاته الحج ويتحول إلى عمرة، فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل.

قوله: [(أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه)].

يعني: أيام منى ثلاثة أيام وهي أيام التشريق, وليس منها يوم العيد؛ لأن يوم العيد ليس من أيام منى الثلاثة المعدودة، التي من تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه.

والأيام الثلاثة هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، هذه أيام منى التي قال الله تعالى عنها: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203] يعني: الحادي عشر والثاني عشر، فإذا رمى الجمار بعد الزوال من اليوم الثاني، وأراد أن يتعجل فله أن يتعجل، ومن أراد أن يتأخر إلى اليوم الثالث عشر فله ذلك، والتأخر إلى اليوم الثالث عشر أكمل وأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله, وفيه زيادة مبيت ليلة وفيه رمي الجمار من الغد، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك, ولكن التعجل سائغ وجائز.

فهذه هي أيام منى التي قال الله تعالى عنها: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203] وليس يوم العيد من الثلاثة الأيام، ولذلك بعض الناس ينفرون يوم الحادي عشر, وهذا لا يجوز؛ لأن الأيام الأربعة هي: يوم النحر، ويوم القر، وهو يوم الحادي عشر، وسمي بيوم القر لأن الناس مستقرون في منى، لا يخرج أحد من منى، بل لا بد من المبيت ليلة الثاني عشر في منى، أما اليوم الثاني عشر فهو يوم النفر الأول، من أراد أن ينفر فيه بعد الزوال والرمي فله ذلك، أما اليوم الثالث عشر فهو يوم النفر الثاني.

فقوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203] المراد بذلك الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويوم العيد ليس معها.

قوله: (ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بذلك)].

يعني: جعل ينادي بهذا الذي قاله صلى الله عليه وسلم: [(من جاء إلى عرفة قبل صلاة الفجر ليلة جمع فتم حجه، وأيام منى ثلاثة)].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015