قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التعجيل من جمع.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (أنا ممن قدَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله)].
قوله: [باب التعجيل من جمع].
يعني: مغادرة جمع في آخر الليل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بها الفجر في أول وقتها ووقف يدعو حتى أسفر جداً، ثم انصرف عليه الصلاة والسلام من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس، هذه هي السنة وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن المزدلفة يبات فيها ويصلى فيها الصبح، ويدعو الإنسان بعد صلاة الصبح، ويغادرها قبل طلوع الشمس، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام رخص للضعفة من النساء والصبيان أن ينصرفوا آخر الليل.
قوله: [(أنا ممن قّدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله) يعني: أنه رخص لهم في الانصراف آخر الليل، والترخيص لهم في الانصراف آخر الليل يدل على أن المبيت في مزدلفة واجب؛ لأنه لو لم يكن واجباً لما كان هناك حاجة إلى الترخيص، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم يبقى فيها إلى الصباح، بل من العلماء من قال: إنه ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فالأمر ليس بالهين.
ولكن الصحيح من أقوال أهل العلم أنه واجب، وأن الإنسان إذا تركه فعليه فدية وهي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم، وإن لم يستطع صام عشرة أيام مكانها.
إذاً: ينبغي ألا يتساهل في مسألة المبيت في مزدلفة، بل على الإنسان أن يبيت بها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصلي بها المغرب والعشاء والفجر ويدعو ويكثر من الدعاء، وينصرف منها قبل طلوع الشمس، ولكن كون النبي صلى الله عليه وسلم رخص لبعض أصحابه -وهم الضعفة من النساء والصبيان- أن ينصرفوا آخر الليل يدل على جوازه وأن ذلك سائغ، وهو دال أيضاً على وجوب المبيت بمزدلفة؛ لأن الترخيص يدل على الوجوب.