قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد أن عبد الواحد بن زياد وأبا عوانة وأبا معاوية حدثوهم عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى صلاة إلا لوقتها إلا بجمع، فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع، وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها)].
قوله: [(ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لوقتها إلا بجمع، فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع) هذا النفي ليس على إطلاقه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بعرفة قبل ذلك، وكذلك فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمع في السفر، وأما في الحج فما جمع إلا في عرفة والمزدلفة، وكان يجمع إذا جد به السير، وقد جمع وهو مقيم، كما حصل ذلك في تبوك حيث كان نازلاً وصلى جامعاً بين الصلاتين؛ ليبين أن ذلك جائز للمسافر حتى ولو كان مقيماً، ولكن الأولى ألا يجمع الإنسان إلا في حال كون السير جاداً به.
إذاًَ: في هذا الحديث إثبات الجمع بين المغرب والعشاء.
قوله: [(وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها)] يعني: قبل وقتها المعتاد حيث إنه بعد الأذان كان يمكث مدة، وليس معنى ذلك أنه قبل طلوع الفجر، وإنما المقصود منه المبادرة إلى الصلاة بعد طلوع الفجر؛ لأن الناس كانوا موجودين معه فلا حاجة إلى الانتظار، إذاً: معنى قوله: (قبل وقتها) أي: المعتاد الذي هو في داخل الوقت؛ لأنه قبل ذلك يمكث بعد الأذان مدة ينتظر الناس، كما جاء في بعض الأحاديث في السحور في رمضان فقيل له: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، قال: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية) يعني: بمقدار قراءة خمسين آية بين الأذان والإقامة.
أما قول مسدد: [حدثوهم] فمعناه: أنهم حدثوه هو وغيره وليس وحده، وهو الذي يعبرون عنه بأخبرنا وحدثنا.