قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جعفر حدثنا أبي عن جابر رضي الله عنه قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (قد نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، ووقف بعرفة فقال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقف بالمزدلفة فقال: قد وقفت هاهنا ومزدلفة كلها موقف)].
هذه طريق أخرى أيضاً في حديث جابر، وهذه الطريق فيها: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة فقال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف)] يعني: أنه لا يختص الوقوف بعرفة بالمكان الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الناس قد يظنون أن مكان وقوفه هو مكان الوقوف فقط، فبين عليه الصلاة والسلام أنه وقف هاهنا وعرفة كلها موقف، ولكن كما جاء في بعض الأحاديث: (يرفع عن بطن عرنة) فلا يوقف فيه.
ومما ينبغي أن ينبه عليه: أن عرفة لها حدود وقد كتب عليها كتابات بمختلف اللغات، والحاج لا يستهين بهذا الأمر الذي هو الوقوف، بل يحرص على معرفة أن وقوفه في داخل الحدود، ولا يكتفي بأن ينظر إلى الجبل الذي يقال له: جبل الرحمة، فإنه يرى من مكان بعيد، والإنسان إذا لم يقف بأرض عرفة فإنه لا يكون قد وقف؛ لأن الوقوف إنما هو بعرفة، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فهذا أمر ليس بالهين وليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى انتباه ويقظة وحرص على معرفة أنه في داخل الحدود؛ لأن الإنسان قد يكون جاء من أماكن بعيدة، فكونه يتساهل في هذا الأمر ثم يكون وقوفه خارج عرفة فيكون قد تعب من غير فائدة، فعلى كل حاج أن يعرف أنه في داخل عرفة، ويستمر فيها حتى غروب الشمس ولا يخرج منها إلا بعد الغروب، وإن خرج منها قبل الغروب رجع إليها حتى يكون غروب الشمس وهو فيها، أو حتى لو رجع إليها بعد الغروب فإنه يكون قد أدى ما عليه.
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام وقف بمزدلفة وفي المكان الذي وقف فيه فقال: [(وقفت هاهنا وجمع كلها موقف)] جمع هي مزدلفة.
ثم قال: [(نحرت هاهنا - يعني في منى - ومنى كلها منحر)] يعني: لا يختص النحر بالمكان الذي نحر فيه النبي عليه الصلاة والسلام، بل ينحر في أي مكان من منى، بل قد جاء كما سيأتي: (منى كلها منحر وفجاج مكة كلها طريق ومنحر) يعني: أن الإنسان يدخل إلى مكة من أي جهة أراد، وكذلك الحاج لو نحر هديه بمكة فنحره صحيح؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن مكة أيضاً منحر كما أن منى منحر.