قوله: [(فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فكبر الله ووحده، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات)].
لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى الصفا صعد عليه، واستقبل القبلة حتى رأى البيت، وجعل يهلل الله ويوحده ويكبره، ويقول: [(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ويدعو بين ذلك)] وهذا يدل على أن هذا الموطن فيه ذكر، وفيه الإشارة إلى الدعاء، فهذا ذكر لله عز وجل وثناء عليه وتعظيم له، وإعلان إفراد العبادة له وحده لا شريك له.
فكلمة (لا إله إلا الله) هي كلمة التوحيد، وهي -كما ذكرنا- مفتاح الإسلام، وهي كذلك ختام الدنيا ونهايتها، والنبي صلى الله عليه وسلم -كما أسلفت- كان يقول لأهل مكة: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) وقال عليه الصلاة والسلام: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، والتلقين يكون قبل الموت لا بعده كما يفعله بعض المبتدعة حينما يلقنون الميت بعد الدفن، ويقولون: يا فلان ابن فلانة اذكر كذا وقد وردت فيه أحاديث ضعيفة غير ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن الثابت هو التلقين ما دام الإنسان في الحياة الدنيا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، والإنسان إنما ينتهي من الدنيا بالموت، فإذا قالها قبل أن يموت فقد ختم له بكلمة التوحيد.
وقوله: (موتاكم) أي: الذين قاربوا الموت، وليس المقصود به الذي مات بالفعل، حتى تكون كلمة التوحيد آخر ما ينطقون به، وهي أيضاً مفتاح الجنة، قيل لـ وهب بن منبه: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح.
يعني: أن مجرد كلمة التوحيد بدون ما تقتضيه وبدون ما تتطلبه فهي مثل المفتاح الذي ليس له أسنان، والمفتاح إنما يفتح إذا كان له أسنان.