هذا الحديث يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من تعظيم أهل البيت ومعرفة قدرهم، وتمييزهم على غيرهم وإنزالهم منازلهم اللائقة بهم؛ لأن جابراً رضي الله عنه عندما عرفه محمد بن علي بن الحسين بنفسه اتجه إليه، وفتح زراريه، وجعل يده بين ثدييه، وذلك لتأنيسه لاسيما وهو شاب صغير، وفيه توقير له، ثم هذا الذي فعله جابر رضي الله عنه فيه بيان عظيم قدر منزلة محمد بن علي بن الحسين رحمة الله عليه، ومما يوضح هذا أن الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما جاءت عنهما نصوص تدل على تعظيم أهل البيت، وعلى بيان منزلتهم وعظيم قدرهم، فقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه أثرين عن أبي بكر رضي الله عنه: أحدهما أن أبا بكر قال: (والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ أن أصل من قرابتي)، أي: أنه يحب أن يصل قرابة محمد عليه الصلاة والسلام أعظم مما يصل به قرابته.
والأثر الثاني ذكره البخاري في صحيحه عن أبي بكر رضي الله عنه قال: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته)، أي: راعوا وصيته في أهل بيته.
أما عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه فقد ذكر البخاري عنه أثراً في صحيحه: (أنه حصل جدب فخرج رضي الله عنه بالناس يستسقي، وطلب من العباس أن يدعو، وتوسل بدعاء العباس، وقال في دعائه: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا، قم يا عباس فادع الله).
يعني: أنهم كانوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يتوسلون بدعائه صلى الله عليه وسلم، ولماذا اختار عمر العباس؟ لقرابته من رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه عم النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا قال: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا)، ولم يقل: وإنا نتوسل إليك بـ العباس، مع أن عمر بن الخطاب أفضل من العباس، فهو في الفضل بعد أبي بكر، ولكن من أجل قرابة العباس من رسول الله عليه الصلاة والسلام خصه بهذا التقديم وميزه على غيره.
أما الأثر الثاني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره عند قول الله عز وجل: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] في سورة الشورى وهي مكية، قال: إن عمر رضي الله عنه قال للعباس: (إن إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك)، فهو يحب أن يسلم العباس لحرص النبي صلى الله عليه وسلم على إسلامه.
وقد ذكر ابن كثير عند تفسير هذه الآية هذه الآثار الأربعة كلها عن أبي بكر وعمر؛ مبيناً أن هذه الآية ليس المقصود بها أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم الذين هم قرابته، وفي مقدمتهم علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عن الجميع، وقد نقل ابن كثير أثراً عن ابن عباس ذكره البخاري في صحيحه، وفيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لكفار قريش وهو بمكة: (إن بيني وبينكم قرابة، وإذا لم تقوموا بنصرتي وتأييدي فلا أقل من أن تتركوني أبلغ رسالة ربي لما بيني وبينكم من القرابة).
فقوله: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] يعني: أجر ما بيني وبينكم من القرابة أن تتركوني أبلغ رسالة ربي إذا لم تتقبلوا أنتم دعوتي، وهذا من جنس ما جاء في الآية: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1] فالإنسان القريب عندما يأتي إلى قريبه يقول له: للصلة التي بيني وبينك حقق لي كذا، أو لما بيني وبينك من قرابة ساعدني على كذا.
هذا الأثر الصحيح الذي أورده البخاري في صحيحه عن ابن عباس يبين المراد بالآية، وأن المقصود بها كفار قريش، وليس المقصود بها علياً وفاطمة ونسلهما رضي الله تعالى عنهم، فإن زواج علي بـ فاطمة ووجود النسل إنما كان ذلك بالمدينة، والآية مكية؛ ولهذا جاء تفسيرها عن ابن عباس وهو حبر الأمة وترجمان القرآن رضي الله عنه وأرضاه بهذا المعنى الذي يتفق مع كونها مكية.
وعلى هذا فإن هذا الذي حصل من جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما من توقير محمد بن علي بن الحسين رحمة الله عليه دال على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من توقير أهل البيت وإنزالهم منازلهم، وقد عرفنا من الآثار التي ذكرتها أن مقدمة الصحابة وخير الصحابة وأفضلهم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يعظمان أهل البيت.