قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفريق الوضوء.
حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب عن جرير بن حازم أنه سمع قتادة بن دعامة حدثنا أنس بن مالك: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدمه مثل موضع الظفر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك).
قال أبو داود هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم ولم يروه إلا ابن وهب وحده وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال: (ارجع فأحسن وضوءك)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي تفريق الوضوء، والمقصود بتفريقه عدم اتصال بعضه ببعض، بأن تكون الأعضاء بعضها يغسل في وقت وبعضها في وقت آخر، ولو كان بعد جفاف بعض الأعضاء، لكن الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة تدل على عدم تفريق الوضوء، وأنه لا بد فيه من الموالاة ولا بد فيه من الترتيب بين الأعضاء، فلا يقدم غسل اليدين إلى المرفقين على الوجه، أو غسل الرجلين على الوجه أو على مسح الرأس بل كل عضو يأتي بعد العضو الذي ذكر قبله، كما جاء في القرآن في قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6].
وأيضاً لابد من الموالاة وذلك بأن يستمر ولا يقطع الوضوء، ولو حصل أنه تبين له أن هناك عضواً من أعضائه لم يصل إلى جزء منه الماء فإن عليه أن يعيد الوضوء وأن يعيد الصلاة إذا كان قد صلى، وهذا دليل على عدم تفريق الوضوء، وأنه لا بد منه.
والحديث أيضاً يدل على أن حكم الرجلين الغسل، وليس المسح؛ لأنه لو كان المسح فكيف ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على شخص بقي في قدمه لمعة أو مقدار الدرهم ثم يأمره بأن يعيد الوضوء؟! فدل هذا على أن حكم الرجلين الغسل وليس المسح كما تقوله الرافضة.
وأورد فيه أبو داود رجمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً وقد توضأ وترك على قدمه موضعاً مثل الظفر -يعني: ظفر اليد أو ظفر الرجل- فقال له: ارجع فأحسن وضوءك) يعني: توضأ وضوءاً حسناً تأتي به على الوجه المشروع، بحيث لا تترك أي جزء من أجزاء الأعضاء التي يجب استيعابها ويجب فعلها إلا وقد أتيت به، فكونه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يرجع وأن يحسن الوضوء دل على أن عمله هذا غير صحيح، وأن عليه أن يعيد الوضوء، وبعض أهل العلم أجاز غير ذلك، ولكن الذي تقتضيه الأحاديث وتدل عليه الأحاديث هو أن الوضوء لا يفرق وأن من وجد منه شيء لم يصل إليه الماء فإن عليه أن يرجع ويتوضأ.