قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المحرم يظلل.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن حصين عن أم الحصين رضي الله عنها حدثته قالت: (حججنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً رضي الله عنهما وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والآخر رافع ثوبه ليستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة)].
أورد أبو داود رحمه الله باب: المحرم يظلل، أي: يوضع فوق رأسه شيء لا يكون ملاصقاً له؛ كي يظلله من حر الشمس.
وأورد حديث أم الحصين رضي الله عنها: (أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فكان بلال وأسامة بن زيد أحدهما آخذ بخطام الناقة، والثاني رافع ثوبه يظلل رسول الله صلى الله عليه وسلم به) أي: وهو راكب على راحلته، وقد رمى الجمرات وهو راكب صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدل على ما ترجم له المصنف، وأن مثل ذلك سائغ، والمحذور إنما هو أن يضع على رأسه شيئاً ملاصقاً، وأما إذا رفعه فوق رأسه بحيث يكون شبيهاً بالخيمة فلا مانع من ذلك ولا بأس به.
وفي هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أن يظلل من الشمس، كما فعل ذلك أصحابه معه، وفي هذا رد على الذين فتنوا بالغلو بالنبي صلى الله عليه وسلم من الصوفية الذين يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا ظل له؛ لأنه نور يعكس نور الشمس، وهذا من أكبر الغلط، وهو من الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أعطى الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الفضائل والخصائص ما يكفيه مما صح وثبت عنه صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاج إلى هذا الغلو، فقولهم هذا غير صحيح، وتظليله في هذا الحديث من حرارة الشمس أن تصل عليه صلى الله عليه وسلم يدلنا على بطلان مثل هذا الكلام.