قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإقران.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن أبي وائل أنه قال: قال الصبي بن معبد: أهللت بهما معاً، فقال عمر رضي الله عنه: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
حدثنا محمد بن قدامة بن أعين وعثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن أبي وائل قال الصبي بن معبد: كنت رجلاً أعرابياً نصرانياً فأسلمت، فأتيت رجلاً من عشيرتي يقال له: هذيم بن سرملة فقلت له: يا هناه! إني حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فكيف لي بأن أجمعهما؟ قال: اجمعهما، واذبح ما استيسر من الهدي، فأهللت بهما معاً، فلما أتيت العذيب لقيني سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وأنا أهلّ بهما جميعاً، فقال أحدهما للآخر: ما هذا بأفقه من بعيره! قال: فكأنما ألقي علي جبل، حتى أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقلت له: يا أمير المؤمنين! إني كنت رجلاً أعرابياً نصرانياً، وإني أسلمت، وأنا حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي، فأتيت رجلاً من قومي فقال لي: اجمعهما، وأذبح ما استيسر من الهدي، وإني أهللت بهما معاً، فقال لي عمر رضي الله عنه: هُديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم].
مرت بنا جملة من الأحاديث في القرآن، وهذا الحديث -وهو حديث الصبي بن معبد عن عمر رضي الله عنه- يدل على القران، أي: الجمع بينهما، وقد ذكره أبو داود رحمه الله من طريقين: الطريق الأولى: مختصرة، وفيها: أنه أحرم بالحج والعمرة وأهلّ بهما، وأن عمر رضي الله عنه قال له: (هديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم).
والطريق الثانية: فيها قصة، وهي أنه كان أعرابياً نصرانياً، وأن الله تعالى هداه للإسلام، وأنه رأى أن الجهاد من أعظم اأإعمال، إلا أنه وجد أن الحج والعمرة مكتوبين عليه، فسأل رجلاً من عشيرته عن جمع ذلك، فقال له: اجمعهما، واذبح ما استيسر من الهدي، ففعل ذلك، وجعل يهل ويلبي، فلقيه رجلان وسمعاه يلبي بهما، فقال أحدهما للآخر: ما هذا بأفقه من بعيره! فتأثر بهذه الكلمة، وقال: كأنما ألقي علي جبل، يعني لثقل هذه الكلمة على نفسه، فلقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وأخبره أنه كان نصرانياً ثم أسلم، وأنه كان يرى الجهاد من أعظم الأعمال، ولكنه رأى أن العمرة والحج مكتوبين عليه، فسأل رجلاً من عشيرته عن جمع ذلك، فقال: اجمعهما، واذبح ما استيسر من الهدي، فقال له عمر رضي الله عنه: هُديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
ومحل الشاهد منه هو قول عمر رضي الله عنه: هُديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جمع بينهما، ونحر ما استيسر من الهدي.
وقوله في أول القصة أنه رآهما مكتوبين عليه فيه دلالة على وجوب العمرة؛ لأنه ذكر أنه وجدهما مكتوبين عليه، وحكى ذلك لـ عمر فأقره على ذلك، بل وقال له: هديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في أحاديث أخرى ما يدل على أن العمرة واجبة كالحج، ومنه الحديث الذي سيأتي: (حج عن أبيك واعتمر).
وفيه أيضاً أن القِران نسك من المناسك، وأنه من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو دليل على ما ترجم له المصنف من القران، وهو الجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد.
وفيه أيضاً دليل على وجواب الهدي على القارن كالمتمتع؛ فقد قيل له: واذبح ما استيسر من الهدي، وقال له عمر: هديت لسنة نبيك، ومما يدل على أن الهدي واجب على القارن أن بعض أهل العلم فسّر قول الله عز وجل: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] بأنه يشمل التمتع الذي هو قسيم القران والإفراد، ويشمل التمتع بالمعنى العام الذي يدخل تحته القران؛ لأن القران تمتع بالمعنى اللغوي العام، فقد وُجد منه الإتيان بنسكين في سفرة واحدة، وهذا هو التمتع، فبدلاً من أن يأتي بهذا في سفرة وهذا في سفرة، جعل الاثنين في سفرة واحدة.
إذاً: فهذا الحديث دليل على وجوب الهدي على القارن، كما أنه واجب على المتمتع، وقد جعل عمر هذا من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته.