قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إفراد الحج.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا مالك عن عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفرد الحج)].
أورد أبو داود باب: الإفراد، والإفراد هو أن يحرم الإنسان بالحج وحده ليس معه عمرة، وأما القران فهو أن يحرم بالحج والعمرة معاً من الميقات، والتمتع أن يحرم بالعمرة وحدها من الميقات، فإذا وصل مكة طاف وسعى وقصر، وبقي في مكة حلالاً يحل له ما يحل لأهل مكة، ويحرم عليه ما يحرم على أهل مكة، وإذا جاء اليوم الثامن أحرم بالحج وذهب إلى منى، وهذا إذا كان نازلاً بمكة، وأما إن كان نازلاً بمنى قبل الحج فإنه يحرم من منى ولا يلزمه أن يذهب إلى مكة ليحرم منها، بل يحرم من منزله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نازلاً بالأبطح هو ومن كان معه من أصحابه، فأحرموا من منازلهم، وأحرم أهل مكة من منازلهم، ومن كان نازلاً بمنى قبل الحج من المتمتعين فإنه يحرم من منزله بمنى، ولا يلزمه أن يرجع إلى مكة.
إذاً: الإفراد هو أن يحرم بالحج من الميقات، ويستمر على إحرامه حتى يرمي جمرة العقبة، وعند ذلك يحلق رأسه، ويطوف بالبيت، ويسعى إن لم يكن سعى مع طواف القدوم، وليس عليه هدي، هذا هو الإفراد.
أورد أبو داود حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج)، والمعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حج قارناً ولم يحج مفرداً، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه قرن، وجاء في بعضها أنه أفرد كما في هذا الحديث، وجاء في بعضها أنه تمتع، والصحيح أنه حج قارناً، وهناك أدلة كثيرة ذكرها ابن القيم في كتابه: (زاد المعاد)، كلها تدل على أنه قرن، فما جاء أنه صلى الله عليه وسلم تمتع وأفرد يحتاج إلى تأويل وتفسير حتى يطابق ما ثبت عنه أنه قرن، فمن العلماء من قال: إنه أفرد، فبعض الصحابة سمع منه لفظ الحج ولم يسمع منه لفظ العمرة، ومنهم من سمع العمرة دون الحج، ومنهم من سمع العمرة والحج، والصحيح أنه وقع منه العمرة والحج، وقد ذكر كلّ ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض أهل العلم: تأويل قوله: (أفرد الحج) أن بعض أصحابه أفردوا الحج بناء على أمره وتوجيهه، وأما هو فلم يفرد، وهذا مثل قولهم: فعل الحاكم كذا، مع أنه لم يفعل ذلك، وإنما أمر به، والفاعل غيره، فهذه من الأوجه التي قيلت في توضيح معنى أفرد حتى توافق ما جاء عنه أنه قرن، فهو لم يحج إلا حجة واحدة فقط، وكان فيها قارناً، فمن قال: أفرد فإن قوله يحتاج إلى تأويل حتى يوافق ما جاء عنه أنه قرن، ومن قال: إنه تمتع يحتاج إلى تأويل حتى يوافق القران، فإنه يقال للقران: تمتع؛ لأنه أدى نسكين في سفرة واحدة؛ ولهذا استدل ابن كثير على وجوب الهدي في القران بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]، قال: لأن القارن متمتع، فيلزمه هدي؛ لأنه جمع نسكين في سفرة واحدة، وهذا تمتع، والتمتع المشهور هو الذي يحرم ويتحلل ويبقى في مكة، ويفعل كل ما يفعله أهل مكة، لكن أيضاً يقال للقران: تمتع، فالمتمتع هو من جمع بين الحج والعمرة.