قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا من عند المسجد، يعني: مسجد ذي الحليفة)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر أنه قال: (بيداؤكم هذه التي تكذبون على الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، إنما أهل من عند المسجد) معنى تكذبون أي: تخطئون، فقد عرفنا أن الكذب بمعنى الخطأ عندهم، وأنه الإخبار عن الشيء على غير حقيقته، وقد يكون كذباً، وقد يكون خطأً بدون كذب، وكثيراً ما يأتي ذكر الكذب بمعنى الخطأ، وقد مر بنا حديث فيه ذكر الكذب بمعنى الخطأ، والمقصود أنهم قالوا: إنه أهل من البيداء، أي: أنه بدأ منها، وهذا هو الخطأ، ومن حصل منه الإهلال عند المسجد، ثم كرره فوق البيداء فهذا ليس فيه شيء، ولا بأس به، وإنما المحذور أن يبدأ الإهلال من البيداء، ولا يبدأ الإهلال من ذي الحليفة من عند المسجد، هذا هو المحذور، وإلا فكونه يهل من هناك ثم يتكرر منه الإهلال فهذا ليس ابتداءً، وإنما هذا استدامة وتأكيد وإظهار للشيء الذي سبق أن أحرم به من نفس الوادي.
إذاً من قال: إنه أهلّ من البيداء هو قول صحيح، ولكن ليس هو الابتداء، فالابتداء كان من قبل من مسجد ذي الحليفة، والناس الآن لا ينزلون إلى الوادي، ويحرمون إذا حاذوا المسجد، وليس بلازم أن ينزلوا إلى الوادي، لكن لو نزلوا وصلوا في المسجد للحديث الذي فيه: (صل في هذا الوادي المبارك) فهو أفضل.