قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في هدي البقر.
حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة)].
أورد أبو داود رحمه الله (باب في هدي البقر) أي: أن من جملة ما يهدى: البقر، والذي يهدى لا يكون إلا من بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، ولا شك أن أنفسه الإبل، ثم البقر، ثم الغنم.
وأورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر عن آل محمد بقرة واحدة) أي: نحر عن زوجاته، وقد كن متمتعات كلهن، وكان معه نساؤه التسع رضي الله تعالى عنهن، إلا أن عائشة حاضت، فجاء الحج وهي لم تطهر، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج، وتدخله على العمرة فتصير بذلك قارنة، وأما أمهات المؤمنين فبقين على تمتعهن، وطفن طوافين، وسعين سعيين، وأما عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقد صارت قارنة، وطافت طوافاً واحداً، وسعت سعياً واحداً عن حجها وعمرتها، ثم طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة حتى تكون مثل صاحباتها، أي: تكون قد طافت طوافين، وسعت سعيين، وإن كانت رضي الله عنها يكفيها طوافها لسعيها وعمرتها كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، فالقارن طوافه يكفي لحجه وعمرته، فهو شيء واحد يكون للاثنين، ولهذا سمي قراناً؛ لأن أعمال الحج والعمرة مقترنة، أي: غير مفصول بعضها عن بعض كما في التمتع الذي تكون فيه العمرة مستقلة بإحرامها وتحللها وما بين ذلك، والحج مستقل بإحرامه وتحلله وما بين ذلك.
وقد جاء في بعض الروايات أنه نحر عن نسائه البقر، أي: نحر عن كل واحدة منهن بقرة، فإذا كان الأمر كذلك فليس فيه إشكال، وإن كان لم ينحر عنهن إلا بقرة واحدة فيشكل على ذلك أنهن أكثر من سبع، ومعلوم أن البدنة إنما تكون عن سبعة، والبقرة تكون عن سبعة؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: إن البدنة والبقرة تكون عن عشرة، وهذا الحديث من جملة أدلتهم، لكن جاء ما يدل على أن البقرة تكون عن سبعة، والبدنة عن سبعة.
قال الإمام ابن القيم رحمة الله تعالى عليه: إن كان هناك تعدد فلا إشكال، وإن كانت بقرة واحدة فيشكل على ذلك أنهن تسع، وهذا لا يتأتى إلا على قول من قال: إن البقرة أو البدنة تجزئ عن عشرة.