قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في المرأة تحج بغير محرم.
حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث بن سعد عن أبيه أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها).
أورد أبو داود باب: المرأة تحج بغير محرم، يعني: أن ذلك لا يجوز، فقد جاء النهي عن السفر، والحج لا يتأتى غالباً إلا بالسفر والانتقال إلى مكة؛ لأداء النسك سواء كان حجاً أو عمرة، فالمرأة لا تسافر إلا مع محرم، سواء كان ذلك السفر للحج أو لغيره، وإذا لم يوجد المحرم فإن الحج لا يكون لازماً لها، فمن شروط وجوبه عليها وجود المحرم؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء أن يسافرن إلا مع ذي محرم.
وقد جاءت أحاديث عديدة في تحديد مدة السفر، ففي بعضها: يوم وليلة، وبعضها: ليلة، وبعضها: ثلاثة أيام، وغير ذلك، وقد قيل في سبب اختلافها: إنها كلها مبنية على أسئلة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب عن تلك الأسئلة، فلا تدل على أن ما دونها يجوز، وقد جاء الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، فكل ما يقال له سفر فإنه يناط به الحكم، سواء كان طويلاً أو قصيراً، قليلاً أو كثيراً.
وإيراد أبي داود رحمه الله لهذه الأحاديث في كتاب الحج إشارة إلى أن الحج لا يكون من المرأة إلا مع ذي محرم، والمحرم هو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد، بنسب أو سبب مباح.
فالزوج يكون في حال وجود الزوجية، وهذا المحرمية مادامت في العصمة، وإلا فإنه إذا طلقها صارت أجنبيه.
وأما الذين محرميتهم مستقرة ودائمة فهم من تحرم عليهم على التأبيد لنسب كالأم والبنت، أو لسبب مباح كالرضاعة أو المصاهرة، وهذا يخرج من تحرم عليه مؤقتاً كزوج الأخت، وزوج العمة، فإنه ليس له أن يجمع بينها وبين أختها، وهذا التحريم مؤقت، فلو ماتت أختها فإن له أن يتزوجها، ولو ماتت العمة فإن له أن يتزوجها، وإنما يحرم الجمع فقط.
قوله: (لا يحل لامرأة مسلمة) فيه أن المسلم هو الذي يحصل منه حج، واختلف أهل العلم هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أو غير مخاطبين على قولين: أصحهما أنهم مخاطبون، ولكن لا يصح منهم الحج إلا بعد الإتيان بالركن الركين، والأصل الأصيل، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
وفائدة ذلك: أنهم يؤاخذون على ترك الأصول، وعلى ترك الفروع.