قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبيدة بن حميد التيمي حدثني أبو الزعراء عن أبي الأحوص عن أبيه مالك بن نضلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأيدي ثلاث: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضل، ولا تعجز عن نفسك)].
أورد أبو داود حديث مالك بن نضلة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأيدي ثلاث: يد الله العليا، والتي تليها يد المعطي، ويد السائل هي السفلى)، فيد الله هي العليا؛ لأن الله تعالى هو المعطي على الحقيقة، وإعطاء الإنسان إنما هو تابع لإعطاء الله عز وجل، قال الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29]، وقال عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء إلا قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، وكما جاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا قاسم والله يعطي).
وكما في حديث معاوية: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي).
فالمعطي على الحقيقة هو الله عز وجل، وقد جُعل الإنسان سبباً في وصول هذه النعمة، ولكن حقيقة الإعطاء هي من الله عز وجل، وهذا وإن كان معطياً إلا أن الله تعالى هو الذي جعله معطياً، وهو الذي جعله سبباً في وصول ذلك الخير إلى الغير.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا قاسم والله يعطي) فيه إشارة إلى هذه الأيدي الثلاث؛ لأن الله تعالى هو المعطي، والنبي صلى الله عليه وسلم هو القاسم، فيعطي كما أمره الله وأرشده، والمعطى هو السائل، أو الذي يعطى من غير سؤال.
قوله: (فأعط الفضل) يعني: الشيء الزائد عن حاجتك.
قوله: (ولا تعجز عن نفسك) أي: في مجاهدتها في كونها تشح بالمال وتحرص على إبقائه خوف الفقر.
وقيل: إنه لا يعجز عن نفسه بأن يعطيها حقها، وأن يعطيها الشيء الذي هو لازم لها، والشيء الذي يكون به قوامها، فيقدمها على غيرها ولا يعجز عن ذلك، فالمعنى يحتمل هذا ويحتمل هذا.