قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التوقيت في المسح.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة).
قال أبو داود: رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي بإسناده قال فيه: (ولو استزدناه لزادنا).
أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب التوقيت في المسح على الخفين، والمقصود من هذه الترجمة بيان المدة التي يكون فيها المسح على الخفين، وأنها يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، والأحاديث التي تتعلق بالترجمة هي دالة أيضاً على ثبوت المسح على الخفين؛ لأن الأحاديث التي فيها كيفية المسح وزيادة، فيها إثبات المسح وزيادة التوقيت، أو إثبات المسح وزيادة الكيفية.
إذاً: كل حديث فيه ذكر التوقيت وفيه ذكر الكيفية فهو دال على إثبات أصل المسح، وعلى هذا فإن حديث المسح على الخفين متواتر عن جماعة كثيرة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة) يعني: ثلاثة أيام بلياليها، وللمقيم يوم وليلة، وهذا فيه بيان مدة الوقت الذي يجوز أن يمسح فيه، وإذا بلغ الغاية فإنه يتعين خلع الخفين، ثم الوضوء، ثم يلبسهما، ثم يعود إلى المسح من جديد، لكنه لا يزيد على ثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافراً، ولا على اليوم والليلة إذا كان مقيماً، فإذا انتهت المدة لهذا ولهذا تعين خلع الخفين والوضوء، ثم إن أراد أن يلبسهما فليلبسهما ويبدأ المسح من جديد، وإن أراد ألا يلبس فإن حكم الرجلين هو الغسل كما هو معروف، وإن كانت مستورة فحكمها المسح.
والغسل جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسح جاء في سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ثم إن هذا الفرق الذي بين المسافر والمقيم في اليوم والليلة فيه حكمة ومصلحة، وذلك أن المقيم موجود وعنده الماء متوفر، ويسهل عليه أن يخلع ويلبس في مدة وجيزة، بخلاف المسافر فإنه قد يحتاج إلى المكث مدة أكثر، ولهذا جعلت المدة في حقه أزيد، بل جعلت مثل المقيم وزيادة ضعفين، أي: ثلاثة أيام بلياليها.
وأما مسألة مدة المسح لثلاثة أيام بلياليها فاختلف فيها أهل العلم؛ فمنهم من قال: إنه من حين ما يحدث يبدأ يحسب المدة؛ لأنه يكون بذلك على غير طهارة، وقبل أن يحدث لا تحسب؛ لأنه كان كما لو لم يلبس الخفين؛ لأنه إذا كان على طهارة واستمر على طهارته فهيئة لبسه كهيئته وهو لم يلبس؛ لأنه لو خلع خفيه قبل أن يحدث فهو على وضوئه وما حصل شيء، ولكنه إذا وجد الحدث عند ذلك يتغير الوضع.
ومن أهل العلم من قال: إنه يبدأ من المسح بعد الحدث، والذي يظهر أنه يبدأ من الحدث؛ لأن هذا هو أول وقت يكون الحكم فيه مخالفاً لما كان قبل ذلك؛ لأنه قبل ذلك كان على طهارة، وبعد ذلك هو على غير طهارة، فيحسب من الحدث، وتلك المدة السابقة بين قبل المسح وبعد الحدث هي الفرق بين الاثنين، فالإنسان إذا اعتبر المدة من البدء بالحدث أخذ بالاحتياط.
ثم قال في آخر الحديث في رواية أخرى: (ولو استزدناه لزادنا)، يعني: على الثلاث وعلى اليوم والليلة، وهذه الزيادة جاءت من بعض الرواة، ولكن الطريق الأولى التي فيها حماد والحكم لم يذكر فيها هذه الزيادة، وأيضاً الأحاديث الأخرى التي جاءت عن علي وعن غيره من الصحابة فيها ذكر ثلاثة أيام ويوم وليلة، وليس فيها ذكر الزيادة، ثم أيضاً قوله: (ولو استزدناه لزادنا) ظن من الصحابي، ولا يزاد على مدة المسح عن ثلاثة أيام أو يوم وليلة بناءً على ظن صحابي؛ لأن الأحاديث التي جاءت عن غير خزيمة فيها التنصيص على يوم وليلة وثلاثة أيام بلياليها، فهي مطابقة لإحدى الروايات التي جاءت عن خزيمة وهي الرواية الأولى التي ذكرها المصنف في رواية حماد والحكم، فهذه الرواية مطابقة لرواية الصحابة الآخرين الذين ذكروا اليوم والليلة والثلاثة الأيام بلياليها، وقد جاء في صحيح مسلم عن علي أنه قال: ثلاثة أيام ويوم وليلة.
ولم يذكر الزيادة، فعلى هذا تكون إحدى الروايات التي جاءت عن خزيمة مطابقة للروايات الأخرى التي جاءت عن الصحابة، ثم أيضاً هذه الزيادة هي ظن وتوهم من الراوي، فإنه ظن أنه لو استزاد لزاد، ولكن هذا لا يمنع الحكم، فالأصل أنه لا يزاد على ثلاثة أيام للمسافر ولا على يوم وليلة للمقيم.