قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد.
حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبي أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين عن أبيه أن زياداً أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين رضي الله عنهما على الصدقة فلما رجع قال لـ عمران: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم].
أورد أبو داود باباً في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد؟ أي: أن تكون زكاة المال في بلد، فتنقل من ذلك البلد وتوزع على فقراء بلد آخر.
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، فمنهم من منعها، ومنهم من أجازها، والذين أجازوها قالوا: إن البلد إذا كان محتاجاً أو أكثر حاجة إليها من غيره فهو أولى، وإذا كان غيره أشد حاجة إليها منه فإنه يجوز نقلها إليه.
أما إذا كانت الحاجة متساوية فإن البلد الذي فيه المال يكون أحق بها من الآخر.
وقد أورد المصنف الترجمة بالاستفهام، وأورد حديثاً ليس فيه دلالة على نقل الزكاة وإنما فيه دلالة على بذل الزكاة في بلد المال، فقد أورد حديث عمران بن حصين: (أن أحد الولاة أرسله مصدّقاً، ولما جاء قال: أين المال؟ قال: وهل أرسلتني للمال؟ إنا كنا نأخذه كما نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ونضعه كما كنا نضعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا يماثل ما جاء في حديث معاذ: (أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقراءهم)، والمقصود بذلك أهل اليمن، أي: تؤخذ من أغنياء اليمن وترد على فقراء اليمن، وحديث معاذ هذا من العلماء من قال فيه: إن المراد به المسلمون، أي: تؤخذ من أغنياء المسلمين، وترد على فقراء المسلمين، وعلى هذا فيجوز نقلها من بلد إلى بلد.
والحاصل: أن فقراء البلد الذي فيه المال هم أحق بزكاة ماله؛ لأنهم هم الذين يشاهدون ذلك المال ويبصرونه، فهم أحق الناس بفوائده ومنافعه وزكاته، ولكن يجوز النقل إلى بلد آخر إذا كانت الحاجة أشد، أو كان هناك فائض عن فقراء البلد.
وأما نقلها إلى بلد آخر لأجل قرابة له فقراء فقد سبق أن ذكرت عدة مرات أن الأقارب لهم حق غير الزكاة، وبعض الناس قد يتخذ من الزكاة وقاية للمال، فيقول: ما دام أنّ الزكاة خارجة فبدلاً من أن أعطيها لأجنبي سأعطيها لقريب مني؛ حتى أسلم من الحق الذي له علي في مالي! فلا يجوز أن تتخذ وقاية للمال، لكن إذا كان المال قليلاً والزكاة قليلة فلا شك أن إعطاءها للقريب أولى من إعطائها للبعيد، وذلك حيث لا يمكن أن يكون هناك مجال لإعطاء القريب من أصل المال، لكن إذا كان صاحب المال من بلد ليس فيه أموال زكوية تعطى لفقراء ذلك البلد، فالبلد الذي فيه المال يكون أولى؛ لعدم وجود شيء يكفي أهل ذلك البلد.
والأمر -كما قلت- في ذلك واسع، فمن أخرجها في بلده فله وجه، ومن أرسلها لقريبه فله وجه، وهذا فيما إذا كان المال قليلاً، أما إذا كان كثيراً فأقرباؤه الذين ليسوا في البلد، أو كانوا في البلد فإنه يعطيهم من ماله؛ لأن لهم حقاً غير الزكاة.