جاء في الحديث الذي مر قبل هذا الذي: (عن ابن عباس رحمه الله)، وقد جاء في بعض الأحاديث الترحم على الصحابة، ولا شك أنه يُترحم على الصحابة، ولكن الذي اشتهر على ألسنة السلف هو الترضي عنهم، والترحم على من بعدهم، ويجوز الترحم عليهم والترضي على من بعدهم، فكل ذلك سائغ، ولكن المشهور وهو الجادة: أنه يترضى عن الصحابة، ويترحم على من بعدهم.
والترضي على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو دعاء وليس إخباراً، وأما أصحاب الشجرة فهو إخبار بأن الله قد رضي عنهم، وليس دعاء، قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18]، فإذا قال الإنسان: رضي الله عنهم مخبراً وداعياً في حق هؤلاء فهذا ليس فيه إشكال؛ لأن القرآن جاء بالإخبار بأنهم قد رُضي عنهم، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة) إلا أن جعله دعاءً هو المناسب، وإن أريد الإخبار بمعنى الدعاء فإنه قد جاء الإخبار عن الله في كتابه مع تأكيد ذلك بقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18].
والصحابة رضي الله عنهم كلهم وعدوا الحسنى كما جاء في سورة الحديد: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10] أي: الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، فهم وإن كانوا متفاوتين إلا أن الكل وُعِد الحسنى، والحسنى هي الجنة كما قال الله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] وقد جاء تفسيرها في حديث صهيب الذي رواه مسلم في صحيحه: أن الْحُسْنَى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله، وكما أن ثواب الذين أحسنوا الحسنى فعاقبة الذين أساءوا السوأى.