قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب زكاة الفطر.
حدثنا محمود بن خالد الدمشقي وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي قالا: حدثنا مروان قال عبد الله: حدثنا أبو يزيد الخولاني، وكان شيخ صدق، وكان عبد الله بن وهب يروي عنه، حدثنا سيار بن عبد الرحمن قال: محمود الصدفي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة باب زكاة الفطر أي: الفطر من رمضان، وزكاة الفطر يذكرها العلماء في كتاب الزكاة وهي مرتبطة برمضان، ولكن لكونها زكاة يأتي ذكرها في باب الزكاة، وإن كانت متعلقة برمضان، وقد أضيفت إلى الفطر من رمضان، وهي شكر لله عز وجل على هذه النعمة وهي إتمام الصيام وإكماله، حيث إن الإنسان وفق لإتمامه، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه) فهو كل يوم يفطر يفرح لأنه وفق لأداء تلك العبادة ذلك اليوم، وإذا أكمل شهر رمضان وأفطر في آخر يوم فإنه بذلك يفرح فرحاً أكبر لأنه أتم هذه العبادة كلها، وفرحة عند لقاء ربه حيث يثيبه على عمله وعلى صيامه وعلى تقربه إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة التي منها الصيام.
وهي أضيفت إلى الفطر، والفطر يكون عند غروب الشمس في آخر يوم من رمضان؛ ولهذا يقول العلماء: غروب الشمس هو الحد الفاصل بين من تجب عليه ومن لا تجب عليه، فمن كان موجوداً قبل أن تغرب الشمس فتخرج عنه زكاة الفطر، ومن ولد بعد غروب الشمس فليس عليه زكاة الفطر؛ لأنه ليس موجوداً في وقت وجوب الزكاة عند وقت الفطر، وبعض العلماء يقول: الفطر هو لطلوع الفجر؛ لأن وقت الليل وقت للأكل دائماً، والصيام إنما هو بالنهار، فيتحقق فطره بكونه يأكل في اليوم الذي يلي آخر يوم في رمضان وهو يوم العيد، لكن تمام النعمة الكبيرة على الإنسان بأنه وفق لأداء تلك العبادة يتحقق بغروب الشمس، وبه يحصل الفطر من رمضان، فهذا هو الأظهر، وهو كون الفطر يتحقق بغروب الشمس، وأن تمام النعمة على الإنسان حصلت عندما غربت عليه الشمس في آخر يوم من رمضان.
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة -أي صلاة العيد- فهي صدقة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) والحديث يدل على أن زكاة الفطر فرض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما يبلغ عن الله، فهو مبلغ ما يفرضه الله وما يوجبه الله كما قال الله عز وجل {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]، وعلى هذا فيكون هو قد بلغ الذي أوحي إليه كما جاء أن إبراهيم حرم مكة والرسول حرم المدينة أي: أظهر إبراهيم حرمة مكة، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أظهر حرمة المدينة، والتحريم شرعه الله عز وجل، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو مبلغ عن الله {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].
فزكاة الفطر فريضة واجبة متحتمة، وقد فرضت لمصلحة جهتين: جهة المزكي وجهة المساكين، فهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، وهذا يرجع للصائم، وطعمة للمساكين وهم الفقراء المحتاجون الذين هم بحاجة إلى الطعام، ففيها جمع بين مصلحة طرفين: المتصدق والمتصدق عليه، فالمتصدق الذي هو المزكي تكون طهرة له من اللغو والرفث الذي يحصل له في صيامه، واللغو هو الكلام الذي لا يقصد مثل ما جاء في لغو اليمين مثل: لا والله، وبلى والله، والرفث يطلق على معنيين: يطلق على الجماع ومقدمات الجماع، ويطلق على الفاحش من القول، وهنا يراد به الفاحش من القول، فيكون ذلك طهرة له من ذلك الكلام الذي يحصل في حال الصيام، وأيضاً فيها إطعام للمساكين وإحسان إليهم.
ووقتها يكون قبل الصلاة، وهذا هو أفضل الأوقات لإخراجها، وتقسم بعد الصلاة، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين؛ حتى لا يحصل النسيان لها فتفوت، وأيضاً حتى تصل إلى المساكين، ويكونوا يوم العيد قد تحقق أن عندهم الشيء الذي يكفيهم من الطعام.
ومن أداها بعد صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات في نفس اليوم، وبعض أهل العلم قال: إنه وقت إخراج؛ لأن المقصود بزكاة الفطر أن الفقراء يكون عندهم شيء يوم العيد، وهي إذا جمعت فإنما توزع بعد الصلاة، فكذلك الإنسان لو تصدق بها بعد الصلاة فإنها تعتبر في محلها، لكن فاته وقت الفضيلة والوقت الأولى لإخراجها وهو قبل صلاة العيد.