قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رضا المصدق.
حدثنا مهدي بن حفص ومحمد بن عبيد المعنى قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن رجل يقال له: ديسم، وقال ابن عبيد: من بني سدوس عن بشير بن الخصاصية رضي الله عنه، قال ابن عبيد في حديثه: وما كان اسمه بشيراً، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سماه بشيراً، قال: قلنا: (إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: لا)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب رضا المصدق، أي: العامل الذي يأتي لأخذ الزكاة، والمقصود أنه يرضى في حدود ما هو سائغ، وهو الوسط، وليس المعنى أنه يعطى أكثر مما يستحق وأكثر مما هو واجب في المال، اللهم إلا إذا كان صاحب المال هو الذي رضي بهذا، وهو الذي أراد هذا، كما سبق أن مر قريباً في حديث أبي حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه)، فرضا المصدق يكون بإعطائه الحق، وعدم منازعته، وعدم المخاصمة معه، وعدم التلكؤ والممانعة في إخراج الزكاة، بل يخرج الإنسان الحق الذي عليه بطيب نفس، حتى يكون كلا الطرفين راضياً، فصاحب المال يخرج الزكاة برضا وانشراح صدر، والعامل يأخذ الحق الذي هو واجب على صاحب المال، فالرضا يكون من الطرفين.
وهذه الترجمة تتعلق برضا المصدق الذي هو العامل، ورضاه إنما يكون فيما هو واجب على المصدق، لا أن رضاه يكون بشيء أكثر من ذلك، وأنه يجب أن يرضى ولو طلب ما هو أكثر، فليس الأمر كذلك؛ لأنه كما سبق يعطى الواجب ولا يعطى أكثر من ذلك.
قوله: [قلنا: إن أهل الصدقة يعتدون علينا].
أهل الصدقة هم المصدقون، أي: العمال الذين يأتون لجباية الصدقة، وقوله: (يعتدون علينا) أي: بأن يأخذوا أكثر مما هو واجب علينا.
قال: (أفلا نكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ قال: لا)، يعني: ليس للإنسان أن يكتم شيئاً من ماله بقدر ذلك الشيء الذي يعتدى عليه، ويجعل ذلك في مقابل الزيادة، فإذا كان -مثلاً- عليه جذعة التي تستحق عند واحد وستين، فيخفي شيئاً من المال حتى لا يخرج جذعة، ويجعل ذلك في مقابل ما أخذ منه ظلماً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا)؛ لأن كتم المال والترخيص بكتم المال قد يؤدي بأصحاب الأموال إلى إخفاء أموالهم، ويتعودون الكذب وإخفاء الحقيقة والواقع، فالواجب أنهم لا يخفون شيئاً من أموالهم، وإذا طلب منهم الشيء الذي هو أكثر مما هو واجب عليهم يمتنعون من دفعه، وإذا طلب منهم الشيء الواجب عليهم دفعوه، وإذا أخذ منهم فوق الواجب بالقهر وبالقوة فإنهم يشكون إلى الوالي وإلى الإمام ليدفع الظلم عنهم.