قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة قال: (سار سرت، أو قال: أخبرني من سار مع مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألّا تأخذ من راضع لبن، ولا تجمع بين مفترق، ولا تفرق بين مجتمع) وكان إنما يأتي المياه حين ترد الغنم فيقول: أدو صدقات أموالكم، قال: فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء -قال: قلت: يا أبا صالح! ما الكوماء؟ قال: عظيمة السنام- قال: فأبى أن يقبلها قال: إني أحب أن تأخذ خير إبلي قال: فأبى أن يقبلها، قال: فخطم له أخرى دونها فأبى أن يقبلها، ثم خطم له أخرى دونها فقبلها وقال: إني آخذها وأخاف أن يجد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إبله)].
قوله: [(فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)] يعني في كتابه.
[(ألا تأخذ من راضع لبن)] هذا الكلام موجه إلى المصدق، يعني: من ذات راضع لبن وهي الحلوب التي فيها لبن وترضع؛ وذلك لأنها من خيار المال.
قوله: [(ولا تجمع بين مفترق)] أي: من أجل أن تكثر الصدقة، وهذا خطاب للمصدق، وذلك بأن يكون رجل عنده مثلاً مائة وواحدة، وآخر عنده مائة وواحدة، فيجمعها العامل من أجل أن يأخذ منهما ثلاث شياة؛ لأنه لو كان كل واحد منهما على حدة فكل واحد عليه شاة واحده؛ لأن أربعين شاة إلى مائة وعشرين ما فيها إلا شاة، فإذا زادت واحدة صار فيها شاتين إلى مائتين، فإن زادت واحدة صار فيها ثلاث شياة، فإذا كان الأول عنده مائة وواحدة، والثاني عنده مائة وواحدة، صارت مائتين واثنتين، فلو بقي كل على ما هو عليه فإنه لا يؤخذ إلا شاتين: شاة من هذا، وشاة من هذا؛ لكن إذا جمع بين الغنمين أخذ منها ثلاثاً.
وقوله: [(ولا تفرق بين مجتمع) خطاب للعامل ألا يفرق بين مجتمع من أجل أن تكثر الصدقة، بأن يكون رجلان لكل واحد منهما أربعون شاة، وهم خلطة، فيفرق غنمهما، فيأخذ من هذا شاة، ومن هذا شاة، وإنما الواجب عليهما شاة واحدة.
قوله: [(وكان إنما يأتي المياه حين ترد الغنم)] هذا فيه دليل على أن العامل يذهب إلى أصحاب المواشي على مياههم، ولا يجلس في مكان ويكلفهم أن يسوقوا غنمهم إليه حتى يزكي أموالهم، بل يأتي المياه، وإذا وردت الغنم أو الإبل أو البقر فإنه يأخذ الزكاة منها؛ حتى لا يشق على الناس أن يأتوا إليه لأخذ الزكاة.
قوله: [(فيقول: أدوا صدقات أموالكم)] وتكون من الوسط لا من الخيار ولا من الشرار؛ لأنها لو أخذت من الخيار لكان في ذلك إضرار بأصحاب الأموال، ولو أخذت من الشرار لكان في ذلك إضرار بالفقراء، ولكن يؤخذ الوسط كما سيأتي في الحديث: (إن الله لم يأخذ منكم خيره، ولم يأمركم بشره).
قوله: [(فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء)] أي: فعمد رجل من أصحاب المواشي، والكوماء فسرها بأنها الكثيرة الشحم السمينة، فأبى أن يأخذها المصدق؛ لأن الواجب هو الوسط وهذه من الخيار، ولكن سيأتي أنه لا بأس بذلك إذا رضي المتصدق بأن يدفع شيئاً أحسن من الوسط، وأدى الخيار بطواعية منه ورضا، ولكن المصدق لعله لم يكن عنده علم بجواز ذلك، وخشي أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الناقة الحسناء السمينة يظن أنه عمد إلى خيار المال فأخذها.
قوله: [(فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء، قال: قلت: يا أبا صالح! ما الكوماء؟ قال: عظيمة السنام، قال: فأبى أن يقبلها، قال: إني أحب أن تأخذ خير إبلي، قال: فأبى أن يقبلها، قال: فخطم له أخرى دونها فأبى أن يقبلها، ثم خطم له أخرى دونها فقبلها)] خطم يعني: وضع الخطام على رأسها ليقودها به؛ لأن الإبل تقاد بالخطام، وأما إذا كانت في المراعي فلا تخطم؛ لأن الخطام قد يكون سبباً في ضررها بأن يعلق في شجرة فتنحبس بسبب ذلك، فيؤدي إلى انحباسها مدة طويلة وربما تهلك.
قوله: [(وقال: إني آخذها وأخاف أن يجد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إبله)] وهذا يدل على أن هذه الإبل الثلاث كلها من الخيار، وأن كل واحدة أرفع من الثانية، وكان أعطى ناقة كوماء ثم أخرى دونها ثم الثالثة دونها، ومع ذلك فهو خائف أنه إذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عمدت إلى إبله وأخذت خيارها.