قال رحمه الله: [وعدد كتب هذه السنن ثمانية عشر جزءاً مع المراسيل، منها جزء واحد مراسيل].
أي: وعدد الكتب التي اشتمل عليها كتابه ثمانية عشر جزءاً، جزء منها يعتبر مراسيل، يعني: أجزاء حديثية.
قال رحمه الله: [وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من المراسيل منها ما لا يصح، ومنها ما هو مسند عن غيره وهو متصل صحيح].
والمراسيل منها ما لا يصح لأنه ما جاء إلا من طريق وعر، ومنها ما هو مستند على غير هذا المرسل وهو متصل صحيح، والمعنى أنه مرسل من طريق ولكن يأتي طريق آخر يكون فيها متصلاًً.
قال رحمه الله: [ولعل عدد الذي في كتابي من الأحاديث قدر أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ونحو ستمائة حديث من المراسيل].
والمراسيل كما هو معلوم: كتاب مستقل لـ أبي داود جمع فيه المراسيل.
قال رحمه الله: [فمن أحب أن يميز هذه الأحاديث مع الألفاظ فربما يجيء حديث من طريق وهو عند العامة من طريق الأئمة الذين هم مشهورون، غير أنه ربما طلبت اللفظة التي تكون لها معان كثيرة، وممن عرفت نقل من جميع هذه الكتب].
هذه العبارة فيها خفاء.
قال: [وربما يجيء الإسناد فيعلم من حديث غيره أنه غير متصل، ولا يتبينه السامع إلا بأن يعلم الأحاديث وتكون له فيه معرفة فيقف عليه، مثلما يروى عن جريج قال: أخبرت عن الزهري، ويرويه البرساني عن ابن جريج عن الزهري، فالذي يسمع يظن أنه متصل ولا يصح بتة، فإنما تركناه لذلك، هذا لأن أصل الحديث غير متصل ولا يصح، وهو حديث معلول، ومثل هذا كثير].
يعني: أن من الأحاديث ما يأتي من طريق غير متصل، ثم يجيء من طريق أخرى وفيه ما يفيد أو ما يحتمل الاتصال فيظن أنه متصل.
ثم ضرب لذلك مثلاً وهو أن ابن جريج قال: أخبرت عن الزهري.
فكلمة (أخبرت عن الزهري) واضحة بأن فيها انقطاعاً، وأن بينه وبين الزهري واسطة ولم يذكر المخبر، وقد جاء الحديث من طريق البرساني عن ابن جريج عن الزهري هكذا.
فالذي يطلع على هذا الإسناد الذي فيه: عن فلان عن فلان، يظن أنه متصل، وهذا لا يفيد شيئاً لأنه ما دام الراوي مدلساً روى بالعنعنة فهو غير متصل؛ لكن عبارة: أخبرت عن الزهري واضحة في أنه لا اتصال، وأن هذا محتمل لأنه مدلس.
فمن لا يعرف الحديث قد يجد الإسناد من طريق البرساني عن ابن جريج عن الزهري فيظن أنه متصل، وذلك لا يصح لأنه مدلس.
قال رحمه الله: [والذي لا يعلم يقول: قد ترك حديثاً صحيحاً من هذا وجاء بحديث معلول].
والذي لا يعرف الحديث إذا وجد هذا الذي فيه (أخبرت عن الزهري) والانقطاع فيه واضح ويجد المؤلف لم يذكر الحديث أنه متصل؛ الذي لا يعرف الحديث يظن أنه متصل ولا يعلم أن وجود هذا الإسناد الثاني كعدمه لأنه مدلس، والمدلس كما هو معلوم محتمل الاتصال ومحتمل الانقطاع، محتمل الواسطة ومحتمل عدم الواسطة.