قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا بهز بن حكيم ح، وحدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون، ولا يفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً، -قال ابن العلاء مؤتجراً بها فله أجرها- ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز وجل، ليس لآل محمد منها شيء)].
هذا الحديث وما قبله وما بعده من الأحاديث داخلة تحت ترجمة باب زكاة السائمة، عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون) أي: أن زكاة الإبل -وكذلك الغنم والبقر- إنما هي في السائمة التي ترعى أكثر الحول، والتي لا يتعب عليها صاحبها ويتكلف لها ويخسر عليها، وإنما الزكاة فيما ترعى أكثر الحول.
قوله: (في أربعين بنت لبون) يعني: أن الأربعين فيها هذا السن بنت لبون، لكن لا يعني ذلك أن هذا الحكم خاص بهذا العدد الذي هو أربعون؛ لأنه جاء في الأحاديث المتعددة أن بنت اللبون تكون من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين، فأي عدد بين هذين العددين فيه بنت لبون، فليس لقوله: (أربعين) مفهوم أن ما فوقه وما تحته يختلف، بل هذا العدد من جملة الأعداد التي تخرج فيها بنت اللبون؛ لأن بنت اللبون تخرج في الستة والثلاثين والسبعة والثلاثين والثمانية والثلاثين والتسعة والثلاثين والأربعين والواحد وأربعين والاثنين وأربعين والثلاثة وأربعين والأربعة وأربعين والخمسة وأربعين, فكل هذه الأعداد فيها بنت لبون.
إذاً: الأربعون فرد من أفراد تلك الأعداد التي في أي عدد منها بنت لبون، وعلى هذا فمفهومه ليس معتبراً تحت الأربعين وفوق الأربعين، بل المعتبر ما جاء فيه النص من أنه من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين فيها بنت لبون, ولعله ذكر الأربعين لأنه العقد الذي يكون فيه بنت لبون، فهو من جنس ما سبق أن الدراهم إذا كانت مائة وتسعين فليس فيها زكاة؛ لأن هذا أعلى عقد تحت المائتين.
قوله: [(ولا يفرق إبل عن حسابها)] هذا كما تقدم أنه لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، لا من العامل ولا من المالك، كأن تكون مجتمعة فتفرق من أجل أن تزيد الزكاة إذا كان التفريق من العامل، أو من أجل أن تقل الزكاة إذا كان التفريق من المالك.
قوله: [(من أعطاها مؤتجراً، قال ابن العلاء: مؤتجراً بها فله أجرها)] ابن العلاء هو محمد بن العلاء الشيخ الثاني لـ أبي داود؛ لأن أبا داود روى الحديث من طريق موسى بن إسماعيل ومن طريق محمد بن العلاء، فطريق موسى بن إسماعيل ليس فيها كلمة (بها) , وإنما فيها كلمة (مؤتجراً) فقط, وأما طريق محمد بن العلاء -وهي الطريق الثانية- ففيها: (مؤتجراً بها) أي: محتسباً وطالباً الأجر والثواب من الله عز وجل.
وقوله: (فله أجرها) يعني: فله ما أدى وله ما نوى.
قوله: [(ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله, عزمة من عزمات ربنا)] أي: من منع إخراج الزكاة الواجبة عليه فإننا نأخذها منه، ونأخذ أيضاً شطر ماله بالإضافة إليها، وقد اختلف في المراد من هذه الجملة، فمن العلماء من قال إنه على ظاهره، وأنه تؤخذ منه الزكاة ويؤخذ أيضاً نصف ماله، عقوبة على امتناعه، ويكون ذلك عقوبة مالية، (عزمة من عزمات ربنا) أي: أن هذا يكون من الأمور التي تؤخذ حقاً؛ لأنه جاء به الشرع، وجاء الإذن من الله عز وجل؛ لأن السنة وحي من الله عز وجل، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى كما قال عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4 - 5]، فما يأتي به هو من الله عز وجل، فقوله: (عزمة من عزمات ربنا) أي: أن هذا الأخذ الذي نأخذه من الأمور العزائم أي: المحققة الثابتة.
وهناك أقوال أخرى قيلت في المراد منه، فقيل: إن هذا تهديد، وقيل: معنى قوله: (وشطر ماله) أن يشطر ماله شطرين: شطر حسان، وشطر دون ذلك، وتؤخذ الزكاة من شطر الحسان، وقيل غير ذلك.
ولكن ظاهر الحديث أن المراد به عقوبة مالية، وأنه يؤخذ الشطر عقوبة مالية, واختلف العلماء في هذا، فمنهم من قال: إن ذلك كان جائزاً ثم نسخ، ومنهم من قال: النسخ يحتاج إلى دليل، وهذا حكم ثابت وليس بمنسوخ، والله تعالى أعلم.
ثم قال: (ليس لآل محمد منها شيء) فالزكاة لا تحل لآل محمد كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من جملة الأدلة الدالة على أن الزكاة لا تحل لآل محمد، ولا يكون لآل محمد منها شيء، فإنما هي أوساخ الناس.