قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الكنز ما هو وزكاة الحلي.
حدثنا أبو كامل وحميد بن مسعدة المعنى أن خالد بن الحارث حدثهم قال: حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا.
قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟! قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: (باب الكنز ما هو والزكاة الحلي) والمقصود بهذه الترجمة شيئان: أحدهما: ما المراد بالكنز؟ ولعل الترجمة إشارة إلى قول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34]، يعني: ما هو الكنز الذي توعد الله صاحبه؟ وما الذي يسلم من ذلك؟ والمقصود من الترجمة أن ما أخرج منه الزكاة ليس بكنز، وأنه ليس في المال حق واجب إلا الزكاة، وما سوى ذلك فهو تطوع كما أن الصلوات الخمس هي المفروضة وما زاد عليها تطوع، والحج مرة وما زاد على ذلك تطوع، وكذلك الأموال التي يجمعها الإنسان ويزكيها لا يقال لها كنز، وإنما يكون كنزاً ويعذب عليه صاحبه هو ما لا يخرج منه الزكاة، ولا يؤدي زكاته، ولهذا يعذب عليه، وأما إذا أخرج زكاته فليس بكنز.
الأمر الثاني: زكاة الحلي، هل فيها زكاة أو ليس فيها زكاة؟ وقد اختلف العلماء فيها على قولين: القول الأول: فيها زكاة، ويستدل بهذا الحديث وغيره من الأحاديث الدالة على أن الحلي يزكى، ويستدل كذلك بالعمومات التي جاءت في زكاة الذهب والفضة، فإن الحلي يطلق على الذهب والفضة، فكل ذهب وفضة يزكى، فتوجد أحاديث عامة وأحاديث خاصة تدل على وجوب الزكاة في الحلي.
القول الثاني: لا زكاة في الحلي، ويعتبرون ذلك مثل الأشياء التي تعد للاستعمال، فالإنسان الذي عنده دواب لاستعماله لا زكاة فيها، وفي الحديث: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) فالإنسان الذي عنده خيل أو سيارة ونحوها يقتنيها ولا يعدها للبيع والشراء، وإنما هي للقنية؛ ليس فيها زكاة، قالوا: وكذلك الحلي هي من هذا القبيل، وتوجد آثار عن السلف تدل على ذلك، ولكن هذا الحديث حسن، وتوجد غيره من الأحاديث الصحيحة الثابتة التي تدل على ما دل عليه، فالقول بوجوب الزكاة في الحلي هو الأظهر، وهو الذي تبرأ به الذمة، وهو الذي فيه الاحتياط في الدين.
وهذا الحديث الذي أورده أبو داود حديث حسن يحتج به، وتوجد غيره من الأحاديث في معناه، فالقول بوجوب الزكاة في الحلي هو الأظهر وهو الأولى وهو الذي فيه الاحتياط في الدين.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنةٌ لها عليها مسكتان -وهما سواران- من ذهب فقال: أتؤدين زكاة هذا)، ومعلوم أن هذا حلي مستعمل كان على يديها، والمقصود أنه إذا كان يبلغ نصاباً فإنه يزكى، وإن كان لا يبلغ نصاباً فإنه يضم إلى الذهب الذي عندها، فإن بلغ مجموعة نصاباً وجب فيه الزكاة، وإن كان لا يبلغ نصاباً لا تجب فيه الزكاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه يعاقب على ترك زكاة الحلي، بأن تعذب بالنار، ويكون لها سواران من نار؛ لأنها ما قامت بأداء الزكاة عن هاتين المسكتين، (فألقتهما وقالت: هما لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم).
هما لله تخرجهما لوجه الله، ولرسوله: يتصرف فيهما كيف يشاء، ويضعهما حيث يريد، وليس المقصود أنهما قربة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن القرب إنما تكون لله عز وجل.