قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدعاء بظهر الغيب.
حدثنا رجاء بن المرجى حدثنا النضر بن شميل أخبرنا موسى بن ثروان حدثني طلحة بن عبيد الله بن كريز حدثتني أم الدرداء أنها قالت: حدثني سيدي أبو الدرداء: (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: آمين.
ولك بمثل)].
أورد أبو داود رحمه الله باباً في الدعاء بظهر الغيب، يعني: كون الإنسان يدعو لأخيه في غيبته وهو غير حاضر، يعني: ليس عنده، وقد يكون عنده ولكنه يدعو بينه وبين نفسه ولا يسمعه، فهذا أيضاً من الغيب، وأما إذا دعا له وهو يسمع فهذا ليس دعاء بظهر الغيب، فالدعاء بظهر الغيب غير مسموع وغير معلوم للإنسان المدعو له، إما لكونه غائباً ليس معه في المكان أو هو معه في مكان ولكنه يدعو لغيره بينه وبين نفسه.
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل لأخيه) الرجل هنا لا مفهوم له، فكذلك المرأة لو دعت لأختها أو لأحد من الناس بظهر الغيب فإن الحكم واحد، ويأتي كثيراً في الأحاديث ذكر الرجل ولا مفهوم له، بمعنى أن المرأة تكون مثله كذلك، بل الأحكام في الغالب تأتي عامة للرجال والنساء، ولا يميز الرجال عن النساء إلا إذا جاءت نصوص تدل على أن هذا الحكم خاص بالرجال، وهذا الحكم خاص بالنساء، فعند ذلك يصار إلى النصوص المفرقة، أما إذا لم تأت النصوص للتفريق بين الرجال والنساء فإن الأحكام تعم الرجال والنساء، وعلى هذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل لأخيه) فمثله المرأة لو دعت، ومثل ذلك حديث: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) وكذلك المرأة، وكذلك حديث: (إذا وجد الرجل متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به) أي: أحق به من غيره من الغرماء، إلى غير ذلك من نصوص كثيرة يأتي التعبير بها بلفظ الرجل أو الرجال ولا يقصد أن هذا الحكم يخص الرجال، بل الحكم للرجال والنساء، ولكن يذكر الرجال لأنهم هم المخاطبون في الغالب.
وقوله: (قالت الملائكة: آمين) آمين معناها: اللهم استجب، وقوله: (ولك بمثل) يعني: ولهذا الداعي مثلما دعا به لغيره، فيقول: اللهم استجب دعاءه لغيره، وأيضاً حقق له مثلما دعا به لغيره.