لا يجوز أن يكتب القرآن بالكتابة المعهودة عند الناس؛ لأن كتابته بذلك لا يحصل معها بقاء القراءات والرسم، فمثلاً: قول الله عز وجل في سورة الزخرف: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف:24] تكتب فيه كلمة (قال) هكذا (قل)؛ لكونها قد قرئت بـ (قُل)، فلو كتبت (قال) بالقاف وبعدها ألف ثم لام فإنها لا تستوعب قراءة (قل) ولا يمكن أن تدخل قراءة (قل) في كلمة (قال)، لكن لما كانت في رسم المصحف متصلة فيها القاف باللام فعند قراءة (قل) تكون القاف مفتوحة وألف صغيرة فوق القاف تدل على أن اللام مفتوحة، وعلى قراءة (قُلْ) تكون القاف مضمومة واللام ساكنة، فالرسم استوعب القراءتين، لكن لو رسمت على قراءة (قال) فإنها لا تحوي القراءتين، وكذلك الآية التي في سورة الأنبياء، حيث يقول عز وجل: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ} [الأنبياء:112] ترسم هكذا (قل) بأن ترسم القاف متصلة باللام، وأما الكلمة التي ليس فيها القاف متصلة باللام مثل: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:23] فإنك تجد الألف موجودة مع القاف، وذلك عندما لا يكون هناك احتمال لأي قراءة ثانية، فجاءت الألف منفصلة عن اللام وليست القاف متصلة باللام.
ومثل قول الله عز وجل في آخر سورة التحريم: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} [التحريم:12] فقوله: (وكتبه) هو في قراءة حفص، أما قراءة الجمهور فهي (وكتابه)، فجاء الرسم على أن التاء متصلة بالباء هكذا (كتبه) والتاء مفتوحة مع ألف صغيرة فوق التاء، وعند قراءة (كتبه) تكون التاء مضمومة، ولو كتبت و (كتابه) بحيث تكون الألف متصلة بالتاء ثم الباء تأتي بعد ذلك مع الهاء لما استوعبت قراءة (كتبه).
فإذاً: رسم المصحف والمحافظة عليه أمر مطلوب؛ لأن فيه استيعاب القراءات وتحمل القراءات، فلا يجوز أن يكتب القرآن بحروف الإملاء، ومعلوم أن حروف الإملاء قد تكتب على خلاف ما ينطق به، مثل (لكن) فلا أحد يكتب فيها الألف مع اللام ثم (كن) لوحدها هكذا (لاكن)؛ لأن الناس اصطلحوا على أن اللام متصلة بالكاف فلا تكتب بلام ألف ثم كاف ونون (لاكن) مع أن فيها ألفاً.
إذاً: رسم المصحف له خاصيته وله ميزته، وذلك أنه يستوعب القراءات.