قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء مرة مرة.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتوضأ مرة مرة)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمة الله عليه باب الوضوء مرة مرة.
وسبق أن مر باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وباب الوضوء مرتين مرتين، وهذه الترجمة معقودة لبيان الوضوء مرة مرة، أي: أن الإنسان يغسل أعضاء الوضوء مرة واحدة وهذا هو الحد الأدنى الذي لا بد منه، وما زاد عليه فهو كمال، ونهاية الكمال ثلاث مرات، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وجاء عنه الوضوء مرتين مرتين، وجاء عنه الوضوء مرة مرة، وكل هذا يدل على أن هذه الأمور الثلاثة كلها سائغة ومشروعة وبعضها أكمل من بعض.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتوضأ مرة مرة) والمقصود: أن الوضوء يكون مرة مرة، وهذا هو الحد الأدنى، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه صفات متعددة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يبينون صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ما جاء عن الصحابة يعزونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه صحيحة، فإن ذلك يدل على تعدد الأفعال والرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذه الأمور لبيان الجواز ولبيان الأكمل والأفضل، فالوضوء مرة مرة هو الحد الأدنى، وهو الفرض الذي لا بد منه، وما زاد على ذلك فهو كمال، فيكون الوضوء مرتين مرتين، أو ثلاثاً ثلاثاً، لكن لا يزاد على ثلاث؛ لأنه سبق أن مر في الحديث: (من زاد على ذلك فقد أساء وظلم) ولا ينقص الوضوء عن أي عضو من الأعضاء ولو كان قليلاً؛ لأنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ويل للأعقاب من النار) لأنهم غسلوا أرجلهم ولكنهم ما استوعبوا الغسل فبدت أعقابهم لم يمسها الماء، ولما رآها رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (ويل للأعقاب من النار).
إذاً: الأمر الواجب اللازم هو مرة واحدة مستوعبة بحيث لا يبقى من أعضاء الوضوء شيء لم يصل إليه الماء، وما زاد على ذلك فهو كمال، وأعلى الكمال ثلاث بحيث لا يزاد عن ذلك.
وأورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث ابن عباس، ولكن سبق أن ذكرت أن الحديث الثاني من الحديثين اللذين أوردهما أبو داود تحت ترجمة الوضوء مرتين مرتين لا يدل على الوضوء مرتين مرتين، وإنما يدل على الوضوء مرة مرة وهو يطابق هذه الترجمة ولا يطابق الترجمة السابقة، ولعل الترجمة تأخرت عن مكانها وكان من حقها أن تتقدم على الحديث الذي قبل هذه الترجمة حتى يكون الحديثان الدالان على الوضوء مرة مرة، تحت ترجمة الوضوء مرة مرة، فإن حديث ابن عباس هذا فيه اختصار وأنه توضأ مرة مرة، ولكن حديث ابن عباس المتقدم فيه تفصيل، وأنه غسل كل عضو مرة واحدة: غسل وجهه مرة واحدة، وغسل يده اليمنى مرة، ثم أخذ غرفة وغسل يده اليسرى، ثم غرف غرفة ومسح رأسه وغسل رجله اليمنى مرة وغسل رجله اليسرى مرة، وهذا يدل على أن الغسل إنما يكون مرة واحدة، فهذا يفيد بأن الحديث السابق مطابق لهذه الترجمة، وليس للترجمة السابقة.