قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)].
هذا الذي ذكره أبو داود هنا هو جزء من حديث أورده مسلم في صحيحه، وأوله: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
وهذا الحديث من جملة أحاديث الأربعين النووية التي اختارها الإمام النووي، والأربعون النووية هي من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم، والحافظ ابن رجب رحمة الله عليه أضاف إليها ثمانية أحاديث؛ لأن النووي أتى باثنين وأربعين فسميت بالأربعين تغليباً وليست تحديداً، بل هناك حديثان زائدان على الأربعين، وابن رجب أتى بثمانية هي من جوامع الكلم منها: (ألحقوا الفرائض بأهلها)، ومنها: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وأحاديث أخرى جامعة، وشرحها في كتاب نفيس سماه: (جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم) وهذا الكتاب من أنفس الكتب، وهو كتاب مليء بآثار السلف وكلام السلف في معنى الأحاديث.
والحديث الذي أورده هنا حديث عظيم، والجملة التي أوردها تتعلق بالقرآن.
قوله: [(ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله)] بيوت الله هي المساجد، قيل: ويلحق بها دور العلم والأماكن التي تخصص للعلم ونشر العلم.
قوله: [(ويتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم)] يعني: يقرءون كتاب الله، سواءٌ أكانت هذه القراءة بأن يقوم شخص ويقرأ ويفسر أو غيره يفسر، أم أنهم يجتمعون بحيث يقرأ واحد منهم مقداراً من القرآن ويستمع الباقون، ويكون هناك شخص يصوب قراءته ويبين ما عليه من ملاحظات، كل ذلك يدخل تحت التدارس، وكذلك تأملُ ما فيه ومعرفةُ ما فيه وتدبرُ ما فيه.
قوله: [(إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة)] يعني أن الملائكة تحضر مجالس العلم ومجالس الذكر.
قوله: [(وذكرهم الله فيمن عنده)] يعني: يذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة في الملأ الأعلى.
إذاً: فالملائكة تحف بهم والله تعالى يذكرهم عند الملائكة المقربين، وهذا من أعظم الثواب وحصول الرضا من الله سبحانه وتعالى.