قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل: (قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الصبح؟ فقال: نعم، فقيل له: قبل الركوع، أو بعد الركوع؟ قال: بعد الركوع، قال مسدد: بيسير)].
قوله: [(سئل: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ فقال: نعم، فقيل له: قبل الركوع أو بعد الركوع؟ قال: بعده بيسير)].
جاء في صحيح البخاري: (يسيراً) يعني: أنه قنت قليلاً بعد الركوع، ومفهومه: أنه قنت كثيراً قبل الركوع.
وكلمة: (يسير) المراد بها القنوت بعد الركوع.
حديث ابن عباس يدل على أن القنوت بعد الركوع، وحديث أنس يدل على أنه يكون قبل الركوع وبعد الركوع؛ لأن قوله: (يسيراً) يفهم منه ذلك، وقد جاء مصرحاً عنه أنه لما قيل له: (إنك تقول: إنه بعد الركوع، قال: كذب فلان) كما في صحيح البخاري.
وكون القنوت بعد الركوع كان يسيراً قليلاً والأكثر قبل الركوع، هذا الذي يفهم من حديث أنس، لكن حديث ابن عباس أنه قنت شهراً متتابعاً، وهذا على حسب علم أنس، لكن رواية البخاري: (قنت يسيراً) وضحت قول أنس (بيسير).
والقنوت قبل الركوع أو بعده جائز، وكذلك في الوتر، إلا أن أكثر الروايات جاءت في أن القنوت بعد الركوع، وهناك الروايات جاءت قبل الركوع كما في الوتر، ولكنه جاء عند البيهقي من طريق شخص يقال له: أبو بكر بن شيبة -وهو من رجال البخاري - أنه قبل الركوع، وأنه بعد الركوع في الوتر.
قال في عون المعبود: مما يقويه ويدل عليه فعل الخلفاء الراشدين الأربعة فإنهم كانوا يقنتون بعد الركوع.
وأنا كنت أفهم أن معنى قوله: (بيسير) أنه كان يسكت قليلاً بعد الركوع حتى يقول: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ثم يدعو، لكن لما رأيت في البخاري قوله: (قنت يسيراً بعد الركوع)، وشرحها الحافظ ابن حجر بقوله: يفهم منه أنه كان يقنت كثيراً قبل الركوع، تبين لي المقصود من ذلك.